د. جمال الراوي
السّفيه امرؤٌ فاحِشٌ، وبذيء اللسان، بسبب جهله وطيشه، وهو من الذين جعلوا السّفاهة وسيلته في إيذاء الناس، حيث يختار الفاحش من القول والفعل؛ فتجده مزْهوّاً بما يفعله، وينثرُ رذاذَ كلماته القبيحة، ويتصرّف بخلاعة وإباحيّة، ولا يبالي بأيّة معاييرٍ مجتمعيّة، لأنّه مُتمرّدٌ عليها، فتضع تصرفاته النّاس في حرجٍ شديد، بسبب عجزهم الردّ عليه.
والسّفاهة نقيض الحُلم، وهي سرعة الغضب المترافقة بالمُجُون والشَتِيمَة في القول والفعل، وهي من المظاهر السيئة في المجتمعات، وسببها سوء التربيّة، وقلّة الاحترام، وعدم الاعتراف بقواعد المجتمع وأعرافه وعاداته، ويعود ذلك كلّه إلى اضطرابِ المفاهيم والأخلاق، وكثيرًا ما يأتي السُّفهاء من بيئةٍ مُتمرّدة وعابثة وغير مُنضبطة، بالإضافة إلى تركهم التعليم في سنٍّ مبكرة، مع وجود مشاكل أسريّة وحالات طلاقٍ وفراقٍ بين الوالدين.
تمشي في الطرقات وفي الحدائق؛ فترى تجمعاتٍ لشبابٍ وقد لبسوا لباساً غريباً، يقهقهون ويضحكون بأصواتٍ عالية؛ غير مبالين بمن يمرّ بجانبهم، فتسمع كلماتهم فتجدها ذات سُخفٍ وحُمْق وهُرَاء؛ يردّدونها بأصواتٍ عالية، ثم يتغامزون فيما بينهم، وقد يرسلون ضحكاتهم، المترافقة بحركاتٍ بهلوانيّة، لا تتوافق مع الحشمة والوقار، وقد يتعرّضون للفتيات اللواتي يمررن بجانبهم، بينما النّاس يمرّون بجانبهم، ويحاولون الابتعاد عنهم قدر الإمكان، ويتجنّبون التحديق بهم أو التعريض لهم، لأنّهم قد ينفجرون في وجوههم؛ ليزيدوا من سفاهتهم وبَذَاءَتهم ورَداءَتهم.
والسفاهة تترافق دوماً مع التحقير والاستهزاء بالآخرين، ومحاولة استفزازهم، وهي تختلف عن اللهو والعبث؛ اللذين لا يؤدّيان إلى إيذاء النّاس، بينما السفاهة ترمي إِهَانَتهم وإِذْلاَلهم، فيضطر العقلاء منهم الانسحاب من هذه المواجهة الخاسرة، حتى لا يقعوا فيما هو أسوأ، وقد يقع بعضهم في حبائل هؤلاء السفهاء، عن قلّة حِكمة، فيردّون عليهم، ظنّاً منهم أنّهم يعيدون الاعتبار لأنفسهم، أو أنّهم يستطيعون كبح جماح هؤلاء؛ ليكتشفوا سريعاً بأنّ السفهاء أوقعوهم في شراكهم، فيحاولون الإفلات منها، فلا يستطيعون، فيجدون أنفسهم في ورطةٍ كانوا في غنى عنها.
وترتبط السفاهة بالجهل وسوء التربيّة، فالشباب الذين يتسكّعون في الشوارع والحدائق، من الذين فقدوا كلّ لباقة وخفَارة وحِشمة، والتي لم يعرفوها في أسرهم ولم يتربوا عليها؛ فيتصرّفون بطريقة غريبة، غير عابئين بمن هم في جوارهم، وقد فقدوا الرزانة والأدب والوقار، وهم من الذين فقدوا الهدف في حياتهم، فجعلوا السفاهة وسيلتهم لإفراغ شحنة الطيش والرعونة والحماقة، فتجدهم سريعي الغضب والإثارة؛ لا يتوانون عن الإتيان بأفعالٍ شاذّة وغير متزنة، أو استعمال كلماتٍ نابيّة وحادة وسوقيّة.
والسفاهة في علم النّفس؛ قلّة نضجٍ في التركيبة العقلية والعاطفيّة والعقليّة، وغالباً ما تبدأ باللجوء إلى تصرّفاتٍ مخالفة لأعراف المجتمع، كأنّ يصبغ الشابّ شعره بلونٍ غريب، أو يقصّه بطريقة لافتة للنظر، للتعبير عن حالة الانفصام التي يعيشها عن المجتمع، ولإعلان تمرّده عليه، ثم تبدأ حالة من التذمّر والتشكي من المسؤوليات المجتمعيّة، وقد تتجاوزها إلى ارتكاب المخالفات المروريّة القاتلة، والقيادة بسرعات جنونيّة، والسبب حالة التهميش المجتمعي التي يعيشها السفيه والمتهور، أو إلى الرفاهيّة والتَرَف والرَخَاء في حياته.
وإنْ كنت تملك الحصافة والحكمة، ووجدت نفسك أمام مجموعة من السفهاء المتمردين؛ الذين يحاولون استفزازك وإثارتك، فعجّل في خطاك وابتعد عنهم قدر الإمكان، ولا تحاول أنْ تلتفت إليهم، حتى وإنْ نعتوك بالخوف والجبن وغير ذلك، وإياك أنْ تردّ عليهم، وحاول ألا تعلّق أو تردّ على كلماتهم... وتذكّر قول الشافعي:
يُخاطبني السّفيهُ بكلِّ قُبحٍ
فأكره أنْ أكونَ لهُ مُجيبا
يَزيدُ سفاهةً فأزيدُ حُلمًا
كعودٍ زاده الإحراقُ طيْبا