صالح الناصر العمري
تداهمنا الأزمات والعقبات لتخلق لنا تحديات وفرصاً مناسبة للتحسين والتطوير والإبداع، قد لا تتوافر هذه الفرص في الظروف الاعتيادية الطبيعية، فقد ظلت كثير من تجاربنا الناجحة تلك التي فرضتها الظروف المحيطة بأنواعها..
في هذه المرحلة لا موضوع ينافس موضوع كورونا وتداعياته وأبعاده فارتباطه بجميع الشرائح والفئات والمؤسسات جعله ممتد التأثير إلى جميع مناحي الحياة في جميع دول العالم، تعاملت معه الدول وفق ما تقتضيه رؤيتها واستراتيجيتها في مواجهة أزماتها.
التعليم عجلة من عجلات التنمية التي تدور بدون توقف مهما كانت المسببات والمعطيات لارتباطه مباشرة بملايين الأفراد ما بين طالب ومعلم ومسؤول وولي أمر..
في الشأن التعليمي الداخلي كانت محصلة التجربة الثرية التي تم فيها تطبيق التعليم عن بعد غداة تعليق الدراسة منتصف الفصل الدراسي الثاني من العام الماضي بعد جائحة كورونا, عندما سارعت وزارة التعليم في عمل إجراءات ضمنت معها مواصلة الدراسة عن بُعد من خلال قنوات مخصصة وفصول افتراضية قدم المئات من معلميها ما يزيد على 17 ألف درس تعليمي شمل جميع المراحل الدراسية للبنين والبنات.
فقد تم تقييم هذه التجربة فوُجد تجربة ثرية حققت نجاحاً ملموساً شجع على استمراريتها بشكل أعم وأوسع وإمكانات أكبر.
وبعد قرار توافقي بين وزارة التعليم ووزارة الصحة ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات وهيئة تقويم التعليم، جاء إعلان معالي وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ باعتماد عملية «التعليم عن بُعد» أول 7 أسابيع عبر منصة «مدرستي» وهي مدرسة تفاعلية في بيئة آمنة للجميع تقدم الأدوات اللازمة للتواصل بطريقة جذابة، تأتي مُناظِرة للمدرسة الواقعية تتيح الدخول للطالب والمعلم وولي الأمر كأفضل الخيارات الاستراتيجية المطروحة بل هو الخيار الأنسب لاتخاذه بعد أن درسه الخبراء من عدة نواح وفق المعطيات المتاحة.
وبالنظر إلى هذا التوقيت يتبادر إلى الذهن سؤال نحسب أنه بالغ الأهمية مفاده «هل نحن جاهزون؟»..
سنجد أنه لن يجيب عنه سوى أصحاب العلاقة المباشرة بالشأن التعليمي وهم المدرسة والمعلم والمشرف التربوي والطالب والأسرة.. فهم الآن أدوات نجاح هذه العملية المفصلية فبتضافر جهودهم سيتحقق الهدف المنشود, وتفصيل علاقتهم كالتالي:
المدرسة
إن للمدرسة جهوداً مضاعفة مع عدة جهات، تتمثل مع مسؤولي التعليم والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور ومسؤولي التقنية، فدورها المتابعة المباشرة لسير العملية التعليمية عن بعد وأبرز مهامها:
- وضع خطة زمنية للمواد الدراسية.
- التواصل مع المعلمين وتزويدهم باحتياجاتهم التقنية المناسبة.
- متابعة تفعيل المعلمين لدروسهم وتذليل العقبات التي يواجهونها.
- إبلاغ المعلمين عن القرارات المتعلقة بهم الصادرة من الجهات التعليمية.
- فتح قنوات إلكترونية سهلة للتواصل مع أولياء الأمور ومساعدتهم في تذليل الصعوبات التي يواجهها أبناؤهم.
- التأكد من جودة التواصل بين المعلمين والطلاب.
- التواصل مع مكتب التعليم عبر تقارير دورية لاطلاعهم على سير العملية التعليمية ومدى نجاحها.
المعلم
يأتي دور المعلم حاسماً في عملية التعليم عن بُعد، في كونه أهم المدخلات التي تقوم عليها العملية التعليمية بمزجه المعرفة بالتقنية.
فمسؤوليته أضحت مضاعفة لأنه أصبح يتعامل مع ثلاثة عناصر رئيسة تحتاج إلى مهارة وتركيز عال وهي الطالب والتقنية والمنهج، فنجاحه معها عبارة عن تحدٍ جديد فهو يدير العملية التعليمية برمتها، قائداً لطلابه وموجهاً ومستشاراً لهم, ومما سيساعد المعلمين على العطاء أن التعليم عن بُعد يواكب توجهات الطلاب الإلكترونية والتقنية، مما يسهل عليه كثيراً من الأمور التقنية والتعامل معها, لذلك هي فرصة سانحة للمعلمين في الانطلاق والتحليق في سماء الإبداع التعليمي التقني ويبقى عليه مهام من أبرزها:
- استمرار أدائه جميع المهام المطلوبة في (التعليم عن قرب) من ناحية الخطة والتدريس والتقويم وبقية المهام الأخرى.
- اختيار الأسلوب الأمثل لتعليم طلابه عن بُعد.
- مراعاة الفروق الفردية لدى الطلاب ومهاراتهم في التعامل مع التقنية.
- استثمار خبراته في تحفيز طلابه على التعلم الذاتي وتشجيعهم.
كل ذلك سيجعل المعلم قادراً على جعل فصله الافتراضي خلية نحل متفاعلة بشكل إيجابي محققة الأهداف التربوية.
الأسرة
للأسرة دور محوري ومؤثر في عملية التعليم عن بُعد ففي هذه المرحلة تمثل الجهة الإشرافية المباشرة على الطالب حيث تأخذ دور المدرسة في التهيئة المناسبة للبيئة التعليمية من خلال إجراءات منزلية تحقق الأهداف التعليمية، وهذا النجاح مرهون بمدى جدية أولياء الأمور من خلال عدة مهام:
- غرس مفهوم الرقابة الذاتية عند الأبناء وتشجيعهم على الاستفادة من التقنية.
- دعم الأبناء وتوفير الأجهزة التقنية المناسبة مع لوازمها.
- اختيار أماكن المنزل المناسبة للدراسة، وتوفير الأجواء المريحة لها مما يجعل الطالب مهيئاً ذهنياً ونفسياً للتعلم.
- التواصل مع المدرسة والمعلمين من أجل تذليل العقبات إن وجدت.
- متابعة دخول الأبناء اليومي وحضورهم للحصص عن بُعد وأدائهم واجباتهم.
ولا ننسى أن للأسرة دوراً مهماً في توعية أبنائهم وتنبيههم بأن نظام التعليم عن بعد جاء كإجراء احترازي طبقته حكومتنا الرشيدة حرصاً منها على سلامتهم وذويهم من الاختلاط مع الآخرين.
الطالب
يظل الطالب محور العملية التعليمية والمُخرَج النهائي الذي تتحقق فيه الأهداف, وطالب المستقبل ليس مَن يملك مهارة الإصغاء والاستماع، بل أصبح عنصراً رئيسياً من عناصر استراتيجيات التدريس الحديثة وذا تأثير مباشر في التعليم التفاعلي ومن أبرز مهامه في هذه المرحلة:
- الاستعداد لليوم الدراسي بالنشيد الوطني والتمارين الصباحية.
- التركيز التام للدرس الافتراضي وإبعاد كل ما يشتت الذهن.
- طرح الأسئلة والاستفسارات والتفاعل الصفي مع المعلم.
- الإسهام الإيجابي في الدرس والمبادرة لمساعدة زملائه من الطلاب وتقديم الدعم لمن يحتاج منهم.
المشرف التربوي
لم تتغير مهام وأعمال المشرف التربوي، الفارق في الموضوع أن العمل أصبح تقنياً، فعمله مستمر في تحسين وتجويد التعليم ودعم المعلمين مهنياً وفنياً.
وفي عملية التعليم عن بُعد أصبح الدور الرئيس لعمل المشرف التربوي في كونه المتابع المسؤول عن وصول المحتوى التعليمي وتحقيقه لأهدافه فمن خلال ذلك عليه أن يمتلك القدرة على التعامل الإلكتروني، فهو سيكون مخططاً وداعماً ومقيماً ومحللاً للعملية التعليمية وستكون أبرز مهامه:
- دعم المعلمين من خلال إرشادهم لأهم المنصات التعليمية الإلكترونية الرسمية.
- حضور حصة المعلم الافتراضية.
- تحليل احتياجات المعلم ومستوى أدائه مع تحليل المحتوى الإلكتروني وأخيراً تحليل مستويات الطلاب.
- اقتراح وتقديم المهارات المناسبة لتنمية قدرات المعلمين.
- بحث ودراسة العقبات المشتركة التي تواجه المعلمين للتوصل إلى حلها.
- متابعة المستجدات وتزويد المعلمين بها.
- عقد ورش عمل واجتماعات عن بُعد لغرض نقل التجارب المميزة وتبادل الخبرات الناجحة بين المعلمين للاستفادة من بعضهم البعض.
كل هذه المهام ستوضح للمشرف مدى تحقق نواتج التعلم وبالتالي تقييمها النهائي.
وأخيراً...
ظهرت الدراسات والأبحاث التي أجريت -مؤخراً- أن التعليم عن بُعد يوازي أو يفوق التعليم الاعتيادي في الفاعلية والتأثير على أطراف العملية التعليمية.
وكلنا أمل وتفاؤل -بمشيئة الله- بأن التعليم عن بُعد سيحقق هدفه المنشود بتضافر الجهود وتحمل كل أطراف هذا العمل المسؤولية تجاه الوطن العزيز وأبنائه من جيل الغد.
** **
- (قائد تربوي)