سهوب بغدادي
بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك
بفقرك بحبك وبعزك بحبك
مَن منا لم يتغنَّ بهذه الكلمات؟ ومَن منا لم تسحره ألحانها العذبة؟ وكأن جارة القمر حاولت إيصال صوتها من خلال الفن لهذا البلد وشعبه للتلاحم والتماسك في ظل الظروف القديمة والحاضرة والمستقبلية، في مشهد مروع، ألمّ بالعالم من جراء انفجار بيروت الأخير الذي نجم عنه خسائر بشرية، وأخرى لا حصر لها، من أهمها فقدان الشعور بالأمن في الأوطان؛ إذ عمد العديد من الفنانين إلى الانتقال إلى بلدان أخرى عقب الواقعة، وفي ذلك عكسٌ لرسالة في منتهى الوضوح والقوة من شخصيات أو رموز ذات أهمية. في خضم الدمار برزت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسيدة فيروز (جارة القمر)، ومنحها وسام جوقة الشرف الفرنسي، وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا. في المقابل أهدته بدورها لوحة فنية. في الوقت الذي أخذ اللقاء بينهما أصداء لا متناهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان في الجانب المقابل، وعلى بعد خطوات من موقع اللقاء، احتجاجات وهتافات شعبية، تعالت للمطالبة بالعديد من الأمور، من أهمها «الثورة». كما اختتم الرئيس الفرنسي زيارته بلقاء السيدة ماجدة الرومي التي تحدثت للوسائل الإعلامية عن فحوى لقائها بالرئيس ماكرون معبرة عن رغبته في تحقيق عمل فني لبناني - فرنسي لمساعدة لبنان على تجاوز محنته.
من هنا يبرز التساؤل الآتي: ما أهداف زيارة ماكرون وكسره البروتوكول المتعارف عليه خلال زيارة الرؤساء للدول بزيارته للسيدة فيروز؟ واختتامه الزيارة بلقاء السيدة ماجدة الرومي؟ قد تتعدد الإجابات، منها اعتماد فرنسا على نهج الدبلوماسية العامة، أو ما يعرف بالقوة الناعمة التي ينبثق منها المجالان الفني والثقافي، وغيرهما من المجالات التي تخلو من السياسة في ظاهرها، ولكنها تدعمها في حال تم توجيه رسائل مقننة من خلالها للجمهور والمتلقي والفئات المعنية. أراد ماكرون إرسال رسالة إلى اللبنانيين، مفادها أنني أقف معكم في محنتكم الحالية وتبعاتها المستقبلية بشكل معنوي لا مادي نظرًا للجوئه إلى رموز فنية؛ إذ يشكل الفن حيزًا معنويًّا في قلوب البشر، ويجمعهم في مكان واحد، بغض النظر عن الاختلافات والإشكالات التي تواجهها الأحزاب والفرق المختلفة والأديان، فإن الجميع سيتغنى «بحبك يا لبنان».
علاوة على كون السيدة نهاد حداد (فيروز) عرف عنها المواقف الحيادية فيما يختص بالجانب السياسي في مواطن عدة، منها الحرب الأهلية 1975-1990، ثم عادت لتحيي حفلها الشهير في ساحة الشهداء وسط بيروت لتبعث رسالة للشعب بيانًا لأهمية الوحدة عام 1994.
الموسيقى لغة الشعوب، ليست مقولة فحسب، بل لها أبعاد كثيرة. كما نضع نصب أعيننا أن ما انقضى من الفترة الرئاسية للرئيس ماكرون أكثر مما بقي؛ فقد تكون خطوات بديهية لأنسنة حملاته الانتخابية؛ إذ عمد قبل توليه زمام الرئاسة عام 2016 إلى نشر كتاب في الأسواق الفرنسية بآلاف النسخ؛ ليصبح الأعلى مبيعًا، والأكثر انتشارًا آنذاك؛ إذ تعد خطوة للتعريف بنفسه، وملامسة الشعب من الداخل، من ناحية ثقافية أدبية عبر توظيف الدبلوماسية العامة أو القوة الناعمة في موضعها وزمانها المناسبَين. فتعد عملية الأنسنة أمرًا مشبعًا بالتحديات والتعقيدات والبيروقراطية القاتلة، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. في حين نستذكر زيارة نابليون بونابارت لمصر والاستعمار الفرنسي لها، فهل سيعيد التاريخ نفسه؟ إنها مجرد سيناريوهات، وعلى الشعب اللبناني إيجاد سبل للوحدة لكي نقول كلنا بأعلى صوت «وإذا نحن اتفرقنا بيجمعنا حبك..... وبحبك يا لبنان يا وطني بحبك».