أ.د.عثمان بن صالح العامر
المحافظة على الهوية الثقافية، والاعتزاز بالذات الحضارية معلم بارز من معالم شخصيتنا الوطنية والتي يؤكد عليها ويثبت مصداقيتها أفعال قادتنا قبل أقوالهم ومبادراتهم النوعية المتميزة ولا أدل على ذلك من إقرار مجلس الوزراء برئاسة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الأسبوع الماضي إنشاء (مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية)، إحدى المبادرات الاستراتيجية الوطنية لوزارة الثقافة.
القارئ في تاريخ القيادة السعودية المباركة سيجد جزما سجلاً حافلاً من الريادات في جميع المجالات ومن بينها المجال الثقافي، فالاهتمام باللغة العربية والدفاع عنها في المحافل الدولية والسعي الجاد لجعلها لغة العلم والصناعة والإنجاز والرفاهية والسياحة والتقدم ديدننا في هذه البلاد المملكة العربية السعودية، ويأتي مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية ليتوج هذا النهج السعودي المبارك، وليبرهن من جديد على أننا في وطن الخير والنماء والبذل والعطاء ننعم بولاة أمر يملكون قصب السبق في كل ما من شأنه رفعة عالمنا العربي وسيادة أمتنا الإسلامية وجعل وطننا المملكة العربية السعودية رقماً صعباً في معادلة الوجود الفعلي في المعترك العالمي والتنافس الدولي سواء أكان سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا.
لقد قيل لنا إن العولمة الثقافية ستلغي الثقافات الهشة وتميت اللغات الضعيفة وفي نفس الوقت ستتوارى عدد من اللغات الحية ليبقى لغة واحدة هي فقط السائدة والمؤثرة والفاعلة، ويأتي الجواب من لدن مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين وسيدي ولي العهد الأمين ناقضاً لهذا الظن في لغتنا العربية، فها هي رؤية المملكة 2030 تناهض وتعارض إبعاد العربية عن مجالات الحياة المستقبلية، وها هو مجمع الملك سلمان يبشر بتحول كبير في مسار تسويق العربية وجعلها منافساً قوياً للغات السيادية العالمية، حاضرة في المحافل الدولية والجامعات النوعية المتخصصة.
إن أبرز اتهام وُجِّه للغة العربية عبر تاريخها الطويل هو: عجزها عن مواكبة التطور البشري الصناعي منه والتقني والفكري والعلمي والاقتصادي والسياسي، وعدم صلاحيتها لمجاراة الخطاب العالمي المعاصر الذي ينطق ويكتب باللغات الحيَّة الأخرى المعروفة خاصة الإنجليزية -اللغة الدولية الأولى بامتياز-، ولذا كثيراً ما طرح المستشرقون ومن دار في فلكهم العامية - المحكية، باعتبارها البديل الأنسب للكتابة الثقافية والتواصل المجتمعي مع جعل اللغة الإنجليزية وأحياناً الفرنسية لغة رسمية في المحاضن والمراكز والمنتديات التعليمية، والاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات الدولية، بل وأحياناً في المخاطبات الرسمية والدوائر الحكومية، وعلى هذا فاللغة العربية كانت وما زالت في تحد حقيقي خاصة:
- مع التسارع المهول في التقدم العلمي الطبي والهندسي والصناعي والتقني الذي قفز قفزات خيالية في عصر العولمة الذي نحياه.
- وكذا عجز الترجمة للعربية الوفاء بمتطلبات المرحلة.
- فضلاً عن تخلف العقل العربي وعدم مقدرته السبق الحضاري الذي ينعكس بدوره سلباً أو إيجاباً على لغتنا العربية.
وتأتي هذه المبادرة الاستراتيجية لتعيد للعربي وللمسلم الثقة بلغته التي ستصبح غداً بإذن الله منافساً حقيقياً في ميادين التأليف والتدريس والصناعة والتقنية والتطوير، ودمت عزيزاً يا وطني، ودامت اللغة العربية حية فعَّالة محفوظة بحفظ الله عزَّ وجلَّ لكتابه الكريم ثم بوجود قيادة تجيد فن الريادة والسيادة الحقة وتعلم أهمية اللغة في السبق والتمكين العالمي فضلاً عن جهود وإنجازات أبنائها وتقدم وتطور ونهضة بلادها. وإلى لقاء والسلام.