عبده الأسمري
«المنطق» منطقة بيضاء لا تقبل «الاجتهاد» ولا تتقبل «التخمين» يسودها صفاء «الصواب» ويعلوها نقاء «العلم» ترفض كل شوائب «الأخطاء» وتنفض كل أتربة «الخطايا».. منها تتجه أدوات «التوجيه» نحو «الصحيح» وفيها تتحد موجهات «التمكين» إلى الموضوعية.
المعرفة اسم جامع لمعانٍ علمية وعملية تعتمد على التخصص وتتعامد على الخبرة وتتقاطع مع الفكر وتتواءم مع الفهم وتتوارد من التجربة وتنعكس على الإنتاج لذا فإن الارتباط بها احتراف لأسسها واستشراف لأصولها للوفاء بحقوقها والاستيفاء لشروطها تحت مظلة «التقييم» وأمام واقع «القيم» وصولاً إلى الجودة في العطاء والإجادة في النماء في كل أبعاد المسؤولية المعرفية.
«الجهل» أعظم داء عانت منه الأمم السابقة وظلت أمم تنزف من أوجاع «السقطات» نتيجة وجود القرار وتملك المهن وإدارة الصلاحية في يد «جاهلين» أو «مدعين للعلم» أو «متشبثين بالتنظير».. فكانت النتيجة تراجعا في المستوى وانخفاضا في الأداء وسقوطا في التجارب..
بيننا أدعياء للمعرفة ومنتحلون للمعارف.. يلبسون رداء ليس لهم ويحاولون ممارسة الاحتيال من باب الانتحال للفهم والاحتيال بالجهل.. مما جعل للجاهلين «مواقع» في مسارات «القول» وأماكن في مدارات «الفصل» الأمر الذي جعل «التعطيل» مصيراً مؤلماً و «التهويل» فعلاً أليماً والتأويل قولاً هائماً.. فرأينا الحكماء يغادرون تلك المواقع والمهنيين يرفضون ذلك الواقع فشاهدنا الخطأ جلياً في دهاليز «المصالح» التي غيبت «الصالح» وصادرت «المنطق»!
عجبت وتعجبت واندهشت وسأظل من تلك التعريفات «المخجلة» في تقديم وإعلانات وتوصيف بعض الشخصيات التي انتحلت المعرفة لتضع المتقاعد العسكري «محللا عسكرياً» والمعلم المبتدئ «مدرباً معتمداً» و «الشاب العاطل» «إعلامياً متخصصاً» و «الفتاة السنابية» «كاتبة بالفطرة» والدكتور المزيف «كبير مدربين» و«الشيخ المتفرغ» «راقياً شرعياً» و «الموظف الفاضي» «خبيرا استراتيجياً» و«المسؤول الوجيه» رئيساً تنفيذياً واللاعب الفاشل «محللاً فنياً» والمهرج الفارغ «مثقفاً مشهوراً» فكبرت «الحلقة الفارغة وزادت الأسماء تلميعاً وكثرت الظواهر تدريجاً ..
ارتفع مستوى الفراغ واتسعت مساحة «الهوة» بين «المنطق» و«الأدوات المهنية».. مما جعل «صناع» المعرفة و«أرباب» الفكر في حيرة وحسرة حولت «ساحة» المعارف في نظرهم إلى سرادق عزاء أثروا أن يحضروها وهم يبلعون «غصة» القهر وأن يشيعوا «المنطق» إلى مثواه الأخير في ظل غفلة مجتمعية أليمة تنتظر انتفاضة رسمية مهيبة تعيد للحقيقة وجهها الثابت وسيرتها الأولى..
تابعت الفترة الماضية عشرات الدورات التدريبية ومئات المحاضرات والأمسيات ورأيت حجم «انتحال» مخيف للتخصصات و «احتيال» مجحف للمسميات.. وتألمت من حجم «الجهل» المسجوع بالتجاهل في متون «المعرفة» وحزنت لجانب «التسطيح» المهول للأسماء المعروفة التي باتت تستجدي «العرفان» وتسترجي «الامتنان» للفتة تكريم أو التفاتة تعبير في ظل سطوة مخجلة لأشخاص نزلوا على ساحة «الشهرة» بمنطاد «الغباء الاجتماعي» وآخرين اقتحموا أسوار «الحضور» بمفاتيح «الوساطات والمحسويبات»..
هنالك جانب وعي مهني وفكري عن المهنية بدأت بوادره في المجتمع ولكن الأمر يحتاج إلى تحرك عاجل من جهات الاختصاص الرسمية سواء على مستوى «المهن» أو من خلال «المنصات» وليكن فيما قامت به وزارة العدل «أسوة حسنة» للوزارات الأخرى بعد أن طاردت «المعقبين» و«الدعوجية» وحاصرتهم ونظفت مهنة المحاماة من فضولهم وطمعهم وجشعهم وسذاجتهم ورعونتهم..
يجب أن يكون هنالك استقصاء رسمي وتقصي مجتمعي لرصد انتحال «المعرفة» على حساب «المنتج» وسط براهين ودلائل تؤكد تفشي ظاهرة القفز على حواجز الآداب المعرفية والهجوم على أسس الأخلاق المهنية تحت ضلال «الجهل» واحتيال الذات واختيال الأنا..
يجب حماية المعرفة من فضول الدخلاء وفلول الجهلاء الذين وجدوا من «الهزل» مسرحاً مفتوحاً لممارسة «الترهات» ومزاولة «المهاترات» لإخراجهم بقوة «الأصول» وقهرهم بسطوة «الحلول» حتى نقي «المعارف» وننقي «المشارف» من فوضى الإفلاس وعشوائية البؤس.
** **
abdualasmari@hotmail.com
@Abdualasmari