د. عبدالحق عزوزي
تتعمق المشاكل أكثر بين أمريكا والصين بسبب التقارب الصيني-الروسي؛ وقد باتت الصين خلال العامين الأخيرين أكبر شركاء روسيا التجاريين، محتلة بذلك مكان الاتحاد الأوروبي. إذ استحوذت على 15 في المائة من تجارة روسيا الخارجية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 31.5 في المائة. وبلغ 87.4 مليار دولار، منها 39 مليار دولار هي صادرات روسيا إلى الصين، مقابل واردات بقيمة 48.4 مليار دولار.
ويتوقع البلدان أن يتجاوز حجم التبادل التجاري عتبة الـ100 مليار، وفقاً لخطة طموحة تسعى إلى دفع التبادل بنسبة 150 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة. في حين أعرب بوتين عن ارتياحه لأن حجم التجارة الثنائية بين الدولتين يرتفع بنسبة 30 في المائة سنوياً. ويرى المتتبعون الاستراتيجيون أيضاً أن هناك جهوداً روسية-صينية لتقزيم حجم الدولار الأمريكي بل وطرده من المعاملات التجارية.. ففي السنوات الماضية قال بوتين لشي، الزعيم الصيني وهو يهديه آنية مصنوعة يدوياً وتحتوي على العسل الطبيعي، إن عليه أن يدفع ثمنها فأجابه الزعيم الصيني إنه لا يحمل معه في تلك اللحظة روبلات روسية ليدفع ثمن الآنية، فأجابه الرئيس الروسي سيكون عليك إذاً الدفع بالعملة الصينية.
لقد حمل مزاح الرئيسين إشارة مباشرة إلى النقاشات الجدية الجارية بين البلدين للتحول تدريجياً نحو التعامل بالعملات الوطنية. ويرى خبراء أن الهدف الأساسي هو الحد من تأثير التعامل بالدولار الأميركي على التبادل الاقتصادي للبلدين، وهذا ما ينذر بالمزيد من الحروب التجارية التي لم تعرفها البشرية في النظام العالمي الجديد.
ومؤخراً عرف مجلس النواب الأميركي جلسة استماع تاريخية بناء على اتهامات مختلفة أطلقها الأعضاء الديمقراطيون والجمهوريون ضد ممارسات الشركات التكنولوجية الأربع الكبرى في أمريكا (أبل، أمازون، فيسبوك، غوغل) وهي تعرف اختصاراً بغافا. وتسيطر هاته الشركات على طريقة تواصل أغلب سكان كل القارات وتتحكم في طريقة تعلمهم وتواصلهم وعملهم وتسوقهم، ولشركة أمازون مثلاً 150 مليون مشترك في خدماتها، وتوظف مليون شخص حول العالم؛ ويشترك 3 مليارات شخص حول العالم في تطبيق فيسبوك، الذي تسيطر من خلاله الشركة على ربع سوق الإعلانات الإلكترونية في العالم، أما شركة غوغل فتستخدم في 90 % من عمليات البحث على الإنترنت. وازدادت أرباح بعض شركات التكنولوجيا بسبب ازدياد الطلب على الخدمات التي تسديها والمنتجات التي تضعها رهن إشارة زبائنها، إلا أن أبل تفوقت على منافسيها عبر مبيعات منتجاتها إضافة إلى التطبيقات الجديدة والخدمات التي اكتسبت مكانة صلبة خلال أزمة كوفيد وخاصة مع انتقال الناس إلى العمل من المنازل وسط تفشي الوباء واتباع إجراءات التباعد الاجتماعي.
وبعد تحقيقات أجرتها وزارة العدل واستمرت لأكثر من سنة حول سياسات هذه الشركات الاحتكارية بطلب من لجنة مكافحة الاحتكار التابعة للجنة القضائية في مجلس النواب. وفحصت التحقيقات 1.3 مليون وثيقة واستغرقت مئات الساعات من جلسات الاستماع والإحاطات السرية. وفي هذا الفيلم الواقعي وغير المسبوق أمام اللجنة القضائية في مجلس النواب، شارك تيم كوك من شركة أبل، وجيف بيزوس من أمازون، ومارك زوكربيرغ من فيسبوك، وسوندار بيشاي من شركة غوغل، في الجلسة التي شاهدها الملايين حول العالم.
جلسة الكونغرس كانت مخصصة في الحقيقة لبحث قضايا التربح من فيروس كورونا والاحتكار الذي تمارسه كبريات شركات التكنولوجيا؛ ولكن حسب علمي لم يخرج شيء من جلسة الاستماع هاته؛ فقد أجاب رؤساء الشركات على الأسئلة بذكاء كما لعبوا جميعهم على وتر القومية والوطنية من خلال حديثهم على أن شركاتهم تعد شركات أميركية بامتياز وهي جزء من التجربة الأمريكية التي تقدس النجاح والابتكار والتوسع والنمو، وعلى أن شركاتهم تخلق مئات الآلاف من الوظائف داخل الولايات المتحدة وملايين الوظائف خارجها.. فلا يمكن أن يخرج أي شيء من مثل هاته الجلسات لا في الحاضر ولا في المستقبل لأن هاته الشركات هي العولمة بنفسها، فلا توجد عائلة اليوم في الحواضر والبوادي وفي جميع أنحاء العالم لا تستعمل أحد منتوجاتها، وهي التي تضع القواعد وتصيغها بالطريقة التي تريد؛ وأخيراً من النقاط التي أثارها مسيرو العولمة الأربعة مسألة الصين؛ إذ أجمعوا في أجوبتهم على ضرورة عدم جعل الصين تتفوق على أمريكا، وهو ما يعطينا انطباعاً عن التخوف العام السائد في أمريكا وأن كل السياسات التنافسية والحمائية التي تقرر في البلد تأخذ بعين الاعتبار المسألة الصينية.