«الجزيرة» - محمد المرزوقي / عدسة - التهامي عبد الرحيم:
نُظّمت ندوة «مسائية»، أعدها الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الحيدري، مشرف ملحق «إبداع» بالمسائية سابقًا، والكاتب في المسائية سابقًا أيضًا الأستاذ سعد بن عائض العتيبي؛ بمناسبة مرور (20) عامًا على احتجاب صحيفة (المسائية) التي كانت تصدرها مؤسسة «الجزيرة» للصحافة والطباعة والنشر، وذلك مساء يوم أمس الأول 25 من المحرم، الذي يتوافق مع تاريخ توقُّف المسائية عن الصدور (25 من المحرم 1422هـ، الموافق 19 إبريل 2001م)، بحضور رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» سعادة الأستاذ خالد بن حمد المالك، ورؤساء تحرير، ومديري تحرير، ومشرفي صفحات، وكتّاب في المسائية، وحضور كل من: الأستاذ محمد الحمدان عضو مؤسس سابق في مؤسسة الجزيرة، والأستاذ محمد الوعيل رئيس تحرير المسائية سابقًا، وسعد المهدي رئيس تحرير المسائية سابقًا، والدكتور محمد الربيع، والزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية، والدكتور حمد بن ناصر الموسى، والأستاذ محمد بن عبد العزيز الخنيني، والدكتور إبراهيم بن عبد الله الحازمي، والأستاذ فهد بن محمد الحمدان، والزميل الأستاذ يوسف العتيق، والأستاذ محمد بن سعود الحمد.
وقد استهل اللقاء الدكتور عبد الله الحيدري بكلمة ترحيبية، وصف فيها اللقاء بأنه يأتي في سياق ذكريات المسائية، وأصدقاء حروفها المسائية، من رؤساء تحرير، ومديري تحرير، ومشرفي صفحات، ومحررين وكتّاب.. وهو الهدف الذي أقيم في فضاء وده اللقاء بعيدًا عن الطابع الرسمي، والأحاديث المنبرية.. واصفًا حميمة اللقاء بعد هذه السنوات بأنها تأتي امتدادًا لما كانت تتميز به المسائية من حميمية بين أسرة تحريرها، وبين قُرائها، ونستدعي معها ذكريات مع صحيفة أحببناها.
وعن ذكريات العمل في المسائية قال الحيدري: سأختصر حديث ذكرياتي المسائية في موقفين مع العلامة حمد الجاسر - رحمه الله -، الأول: ذات مساء دفعت بنشر قصة بعنوان «انحراف أبي» لمحمد أحمد جابر إلا أن المخرج طلب الصورة هاتفيًّا لصاحب الصورة، فتبادر إلى ذهن المستمع (حمد الجاسر) ما أثار حفيظته، وأرسل خطابا للصحيفة. وما كان ردنا عليه إلا أنه أحد رواد الصحافة، وهو العارف بما يصحب الأخطاء الطباعية.
أما الموقف الآخر فقد كان نقدي لمجموعة من أخطاء في إعلان أحد البنوك المحلية بالصفحة الأخيرة من مجلة (العرب)، وهو ما لم ينل إعجاب الجاسر؛ فأرسل مقالة بعنوان (اذكروها ولو في مقام الذم)، يعقّب فيها على ما كتبته، ويذكر أهمية الإعلان للصحف؛ ما جعلني أعقب عليه بمقالة بعنوان «أحب العرب وصاحب العرب».
وفي كلمة لسعد العتيبي رحّب بضيوف اللقاء قائلاً: نجتمع في مساء يتزامن مع مساء توقُّف المسائية، في أمسية حب، نجتمع فيها حول مائدة ذكرياتها بعد عشرين عامًا من توقُّفها، وهي أول صحيفة سعودية تصدر في الفترة المسائية، وكانت تجربة رائدة وثرية، ولم تتكرر في الصحافة السعودية التي أمدت الساحة الثقافية بالكثير من النجاحات فيما قدمته، في طباعة رشيقة، ومضامين متنوعة؛ ما جعل من توقفها بمنزلة الصدمة الصحفية لمحبيها مقارنة ببدايات شيوع شبكة الإنترنت التي كانت لا تزال تحبو حينها، ولا مواقع تواصل اجتماعي تصرف القراء عن مطالعة الصحف. مختتمًا كلمته بقوله: ما أنا إلا أحد محبي المسائية، الذي تولع بعشقها وهو لا يزال على مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية، قبل أن تتاح له فيما بعد فرصة الكتابة على صفحاتها، وإجراء العديد من الحوارات الصحفية بدءًا بعام 1412هـ. وأعددت فيما بعد صفحة (عصاري)؛ لذلك بقي لها في النفس الكثير من الذكريات التي تعاودني كلما قلبت صفحاتها في أرشيفي الصحفي المتواضع، الذي لا تضاهيه أنفس العطور.
أما عن قصة (المسائية) فقد روى تفاصيل أحداثها الأستاذ خالد المالك، الذي استهل حديثه قائلاً: شكرًا لكرم مَن دعونا إلى هذا المساء، وإن كان من المفارقات العجيبة في مسائنا أن نحتفي بذكرى توقُّف المسائية بعد عشرين عامًا، في زمن نحن أحوج فيه إلى أن نحتفي بمزيد من الصحف الجديدة، لا باحتجابها. وقد بدأت فكرة المسائية كصحيفة أردت من خلالها أن تكون صحيفة (فردية) خاصة بي؛ فاتجهت إلى رجل الأعمال صالح كامل - رحمه الله - ليكون الممول لهذه الصحيفة، وذلك في الفترة نفسها التي كنت خلالها رئيسًا لتحرير صحيفة «الجزيرة»؛ فوجدت منه الترحيب بالفكرة، والمبادرة بالدعم، والمشاركة، واقترح عليّ حينها أن ألتمس رأي وزير الإعلام الأسبق محمد عبده يماني - رحمه الله - عن فكرة إمكانية صدور صحيفة مسائية خارج نطاق المؤسسات الصحفية، خاصة أنني نظرت إلى تقديم طلبي له أيضًا من خلال ما يربط بين الرجلين من علاقة النسب؛ إذ إن زوجة محمد يماني شقيقة صالح كامل؛ وهذا مما كنت أتصور حينها أنه سيمهد الطريق، ويفتح لي أبواب موافقته على صدور صحيفة المسائية.
ومضى المالك في سرد حكاية فكرة مشروع «المسائية» قائلاً: عندما قابلت يماني سألني «ما اسم هذه الصحيفة فيما لو صدر قرار بالموافقة على صدورها؟». قلت له: لعل كلمة (الميزان) اسم مناسب لها. فقال: «وماذا تقصد بالميزان؟». قلت: شيئين: الأول أن (الأول من الميزان) هو «اليوم الوطني» للمملكة، والآخر أن معنى الميزان يحمل كثيرًا من المضامين التي ترمز إلى قيمنا، من حيث النزاهة، والعدل، والموضوعية. ثم لمست من حديثه الموافقة، لكنه لم يعطني من خلال لقائنا قرارًا مطمئنًا يجعلني أخرج من عنده وأنا على يقين بأن قرار الموافقة على المسائية سيصدر.
وقال المالك: مضت بعد ذلك مدة ليست بالبعيدة عن انعقاد مؤتمر القمة الخليجية (الثانية) خلال نوفمبر 1981م في الرياض، فرأينا أن نصدر (ملحقًا مسائيًّا)، يغطي اليومين اللذين عُقد خلالهما المؤتمر؛ فصدر الملحق، وبعد انتهاء انعقاد القمة لم نشأ أن يتوقف؛ فاستمر في الصدور باسم «الجزيرة المسائية»؛ وهو ما دعا الدكتور يماني إلى أن يطلب إيقاف ذلك الملحق، خاصة بعد أن تم طرحه في الأسواق بقيمة منفصلة عن «الجزيرة». وحينها تفاهمت معه على إعطائنا مزيدًا من الوقت لطباعة ونشر كل ما هو متوافر لدينا حينها عن مؤتمر القمة؛ فتجاوب معنا، مع أن النية لدينا لم تكن إيقاف الملحق، وإنما لتسيير انتشاره بين أيدي القراء، ومن ثم يكون هذا الملحق إصدارًا صحفيًّا يواصل الصدور؛ ما يجعلنا نضع وزارة الإعلام أمام الأمر الواقع تبعًا لذلك.
أما عن ردة فعل وزارة الإعلام فمضى المالك في سرد قصتها بقوله: سألني بعد مدة محمد يماني «ما سبب عدم توقُّف إصدار ملحق الجزيرة المسائية، رغم وعودك المتكررة لي؟!»؛ لأنني مع مضي الوقت - وأنا وزير الإعلام - ما زلتُ أجد حرجًا في الإجابة عن كل مَن يسألني: هل هذه صحيفة مرخص لها؟ وهل هي تصدر خارج صحيفة «الجزيرة»؟ وهو ما لا يجعلني أجد إجابة عن أمثال تلك الأسئلة. وأضاف «المالك»: قال لي معاليه حينها «أمامك خياران، إما التوقف عن إصدار هذا الملحق، أو أن تتقدموا بطلب الترخيص له كصحيفة مستقلة عن صحيفة «الجزيرة»؛ وأعدكم بأنه خلال أيام لا أشهر ستحصلون على الترخيص». وقد صدق الرجل - رحمه الله - إذ قمنا بالتقدم بطلب ترخيص للمسائية كصحيفة مستقلة، وجاءت الموافقة خلال أيام، لكنه طلب مني أيضًا التخلي عن رئاسة تحرير الصحيفة (المسائية) كنوع من الشعور بعدم رضاه عن المناورات التي قمتُ بها لاستمرار صدور ملحق «الجزيرة المسائية».
وفي سياق تداعيات الموافقة على صدور (المسائية) قال المالك: لم يكن هناك مجال للجمع بين رئاسة تحرير صحيفتين؛ ما جعلني حينها أطلب من المدير العام للمؤسسة صالح العجروش - رحمه الله - أن يتولى الإشراف على الصحيفة شكليًّا، وأستمر شخصيًّا برئاسة تحريرها فعليًّا. ولسوء الحظ أنه بعد فترة ليست بالطويلة تم نشر كاريكاتير مسيء، أثار ضجة على مستوى المؤسسات الدينية؛ فصدر بموجبه أمر بإيقاف العجروش، مع أنه لا علاقة فعلية له، فإذا كان من مسؤولية فهي تقع على الرئيس الفعلي؛ ما جعلنا نبحث عن رئيس تحرير، وهذا ما تم بدءًا من عبد العزيز العيسى؛ لذلك افترضنا مع ما وجدته المسائية من قبول وانتشار أن تجد المزيد من النجاح؛ لما تتمتع به من رشاقة المضامين، وتنوعها، وخفتها على القارئ المسائي، وإتاحة الفرصة بمرونة كبيرة لكل من أراد النشر، معتمدة على مصادر مختلفة غير مصادر «الجزيرة» في اختيار موادها، ولم تكن تعتمد في مقالاتها على كتّاب الرياض كما الحال في صحيفة «الجزيرة».
وكان لا بد لتوقف «المسائية» عن الصدور من عقدة، وصفها المالك خلال حديثه قائلاً: كانت المعضلة التي بدأت تتفاقم هي مشكلة توزيعها تبعًا لصدورها؛ ما جعل توزيعها في تراجع؛ إذ لا يتم توزيعها في اليوم نفسه سوى داخل مدينة الرياض، بينما يتم توزيعها في المدن الأخرى في اليوم التالي. وكانت المشكلة الرئيسة التي واجهناها في بداية صدور المسائية أن بعض القراء ينظرون إلى أن المسائية هي «الجزيرة» (المسائية)، و»الجزيرة» هي «الجزيرة» (الصباحية)، رغم الاختلاف الكبير فيما بينهما. وبعد أن عدت مرة أخرى لرئاسة تحرير صحيفة الجزيرة وجدت أن وضع المسائية صحفيًّا في تراجع، وأن ما يُصرف عليها تعتمد فيه بشكل رئيس على إيرادات «الجزيرة»، بالرغم من أنها هي الأخرى حينها كانت تعاني تواضع الإيرادات المالية، التي بالكاد تغطي متطلبات «الجزيرة»، فضلاً عن أن يوجَّه شيء من إيراداتها إلى «المسائية».
وفي آخر فصول القصة التي يرويها المالك تبدأ قصة (إيقاف المسائية) بقصة جاء فيها: لذلك تم انعقاد مجلس الإدارة، وكان جميع الأعضاء على قناعة بأنه لا حل سوى إيقاف «المسائية»، ولكن لا بد من وجود بديل؛ فاقترحت عليهم أن يكون هناك صحيفة خاصة بـ(المرأة) بديلة للمسائية. وبما أن النظام لا يسمح بأن يتخذ مجلس الإدارة قرارًا بهذا الشأن؛ إذ لا بد من الرفع بالفكرة إلى المجلس الأعلى للإعلام برئاسة سمو الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - عن طريق وزارة الإعلام، وفي اجتماع برئيس وبعض أعضاء مجلس الإدارة، طرحنا على سموه فكرة الإيقاف، وفكرة صحيفة جديدة (يومية) باسم المرأة؛ فرحب بالفكرة مقترحًا أن يكون اسمها (الأسرة)؛ وصدرت الموافقة على إصدار صحيفة باسم (الأسرة)، وإيقاف صدور (المسائية). وكنت كلما التقيت سموه يسألني عن موعد صدورها؛ فلقد لمست منه الحرص الكبير على أن تصدر (الأسرة)، ويكرر السؤال مستغربًا عن تأخُّر صدورها الذي كان الوضع المالي لـ»الجزيرة» آنذاك سببه؛ إذ كان انتظار تحسن الأوضاع المالية التي تسمح بإصدار المؤسسة صحيفة جديدة هو ما أخّر إصدارها.
وختم المالك مداخلته عن رحلة «المسائية»، وما تفرعت إليه من مساءات التخطيط لـ»الأسرة» قائلاً: ومع ذلك الوضع المالي إلا أننا كنا نخطط بشكل متواصل لتصورات إنتاج هذه الصحيفة، وأبوابها، والشخصيات النسائية التي ستشارك في تحريرها، إلا أنه لم يسعفنا الوقت. ومع أن «الجزيرة» استعادت وضعها المالي الجيد إلا أن فكرة الإصدار ظلت مؤجلة؛ ما يعيدنا في هذه المداخلة، التي هي بعض من سيرة «المسائية» ومسيرتها، التي كان أغلب أسرتها التحررية ورؤساء تحريرها من أسرة صحيفة «الجزيرة»، التي أبرزت الكثير من الكفاءات الصحفية، التي لم يكن لاحتجابها علاقة بفشل رئاسة تحريرها؛ ما جعل من مبادرات صحيفة «الجزيرة» على امتداد مسيرتها بمنزلة المزرعة الصحفية للصحفيين والكتّاب، وكانت «المسائية» إحدى مبادراتها الصحفية الرائدة؛ لكونها التجربة الصحفية الوحيدة في تاريخ الصحافة السعودية والخليجية.
كما جاء من أحاديث الذاكرة (المسائية) مداخلة لمحمد الحمدان، تحدث خلالها عن المسائية بذاكرة الكاتب فيها، وذكريات المتابع لكل ما تقدمه من مضامين مسائية لطيفة ومتنوعة، قائلاً: ما زالت الذكريات تحمل الكثير عن المسائية، وما كانت تقدمه إلينا من منوعات في اللغة والثقافة والحياة اليومية التي تجمع بين الظرافة والثقافة، وهو ما يحتاج إليه القارئ. فما زلت - على سبيل المثال - أتذكر عندما كتبتُ مقالة نقدية عن الإسراف في المناسبات بعنوان «وما أدراك ما المفطح؟»، وغيرها من المقالات النقدية الاجتماعية والنقدية الثقافية التي قدمتها المسائية بأسلوب رشيق ممتع.
وعن الشغف الجماهيري الذي استطاعت أن تحققه المسائية خلال فترة من سنوات صدورها، تحدث وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقًا، الدكتور محمد الربيع، وقال: لم أكن بذي صلة مع العمل في المسائية، ولكني من قراء المسائية، التي يحمد للأستاذ خالد المالك إصدارها. وقد استطاعت خلال فترة صدورها أن تكون وثيقة على فترة من ذاكرة الحياة الاجتماعية اليومية؛ لما حفلت به من مضامين تجمع بين اللطيف والظريف والخفيف على القارئ، وبما حوته من مواضيع نقدية وثقافية وإبداعية، منحت الكثير من الكتّاب الظهور من خلالها. مختتمًا حديثه بالتشديد على أن تكون المسائية مجالاً للدراسات البحثية الإعلامية لتحليل مضامينها، والكشف عن ملامح اتجاهاتها الصحفية شكلاً ومضمونًا، ولبحوث تحلل المسائية في رؤية مقارنة بما كان يصدر من صحف مسائية عربية.
وعند ما تحتله المسائية من تجربة ريادية في الصحافة السعودية توقَّف الزميل الدكتور إبراهيم التركي في مداخلته عبر وقفات، أشار فيها إلى أن المسائية التي تتذكرها أسرة تحريرها، وقُراؤها، تعيد الحديث إلى صديق المسائيين والثقافة، وصانع الملاحق الصحفية في صحيفة «الجزيرة»، الأستاذ خالد الملك. ووصف التركي تجربة المسائية بقوله: هي مدرسة، كما أن المسائية دروس؛ فهي المبادرات التي خطط لها وأنجزها الأستاذ خالد المالك، صاحب المبادرات الصحفية، وصاحب القرارات الجريئة على مستوى الصحافة السعودية؛ لذلك فقد أصدرت صحيفة الجزيرة خلال رئاسته لها العديد من الملاحق الصحفية، التي كان صاحب فكرتها؛ فلقد كان المالك ربان الانتقال بالجزيرة من صحيفة أسبوعية إلى يومية، وأصدرت ملاحق عدة، منها: ملحق مجلة الجزيرة، ملحق المجلة الثقافية، ملحق مجلة التواصل الرقمي، إضافة إلى ملحق رياضي، أول أيامه الصحفية لم يقدَّرْ له الظهور؛ لذلك فإن المسائية عندما نستحضرها في حديث الذكريات فإننا نستحضر سيرة صحيفة، ومسيرة قرار ناجح، جاء في وقته آنذاك، وهو القرار الموفق المسدد الذي يضع عبئًا عن كاهل المؤسسة، ويتخذ من واقع المسائية، وواقع صحيفة الجزيرة، رؤية قرار جريء حكيم. هل استوعبنا كقراء الدرس الذي أعطته لنا المسائية، بوصفه درسًا ناجحًا في الإصدار، ونجاح درس آخر بتوقفها، ذلك التوقف الذي ما زلنا نعيش مشاهده من مطبوعة صحفية إلى أخرى، صحفًا كانت أو ملاحق، ولا ندري من سيأخذ دوره غدًا في التوقف؟
من جانب آخر، وصف الدكتور حمد بن ناصر الموسى علاقته بالمسائية بأنها علاقة التخصص والممارسة في آن واحد، مستهلاً حديث الذاكرة والذكريات (المسائية) بقوله: مع أن الصحافة كالبشر؛ يمرضون، ويهرمون، ويموتون أيضًا، إلا أن المسائية طابعها الخاص في نفسي؛ إذ كان توقفها بمنزلة الجرح الذي لن يندمل لكل من عرف المسائية، من أسرة تحريرها، وربما أغلب قرائها. مشيرًا إلى أن المسائية احتلت مكانة عميقة ومختلفة في نفسه رغم عمله في عدد من المطبوعات الصحفية من صحف ومجلات، أدار تحريرها، إلا أن المسائية كانت الميدان العملي والمهني الذي جمع فيه بين بُعدَي المجال النظري المعرفي خلال دراسته بكلية الدعوة والإعلام سابقًا (الإعلام والاتصال حديثًا)، والممارسة المهنية الصحفية.
ومضى الموسى مستحضرًا بعضًا من مساءات المسائية قائلاً: كنت أعد صفحة «الحياة الجامعية»، فصفحة إبداع، ثم صفحة محليات، ثم الصفحة الأخيرة، إضافة إلى ما كنت أكتبه من مقالات، وذلك خلال ثلاث سنوات، امتدت بين 1407-1410هـ. ومع أن في الذاكرة من مساءات المسائية الكثير من التفاصيل، والقصص، إلا أن ما يمكن أن أستحضره عبر مساء ذكرياتها عندما ذهبت إلى دولة السودان الشقيقة لتغطية أحداث فيضانات النيل آنذاك، وكانت تجربة ثرية ورحلة صحفية، ستظل ذات عمق وعبق في ذاكراتي. أما الموقف المشابه لسابقه فهو عندما تم تكليفي بأن أكون ضمن وفد صحفي بمناسبة افتتاح الخط الجوي آنذاك بين الرياض وجاكرتا. مختتمًا الموسى حديثه بقوله: كان للمسائية بحكم وقت صدورها سبقٌ عن سائر الصحف السعودية الأخرى. ومن الظريف أنني كنت ممن يغبطون زملاءنا في القسم (الرياضي) لتزامُن سبقهم مع الأحداث الرياضية؛ ما جعل من المحتوى الرياضي في المسائية سبقًا مختلفًا عن سائر الصحف.
كما شهد اللقاء مداخلة لمحمد الوعيل، شكر فيها القائمين على الاحتفاء، مشيرًا إلى ما يحمله لقاء ذكريات المسائية من معانٍ، تجمع بين أصدقاء المهنة، وأصدقاء الحرف من القراء.. واصفًا تجربته في رئاسة تحرير المسائية بأنها ذات طابع خاص، يظل لها الكثير من حديث الذكريات ومسيرة المهنة الصحفية.
فيما قدم سعد المهدي شكره لمعدي الاحتفاء، واصفًا علاقته بالمسائية بأنها جاءت على مرحلتين، الأولى عندما كان نائبًا لرئيس التحرير الأستاذ محمد الوعيل، والأخرى عندما رأس تحرير المسائية، التي وصفها بمرحلة العشق الصحفي، متحدثًا عن خبر إيقافها الذي كان يلوح في الأفق، الذي واجهه الأستاذ خالد الملك بكل حكمة، وذلك بضم كل من لديه كفاءة مهنية إلى صحيفة الجزيرة؛ إذ انتقل المهدي إلى مسؤول مكاتب الجزيرة الداخلية والخارجية، إلى أن ترجل رئيسًا لتحرير الرياضية.
أما الإعلامي محمد الخنيني فقد وصف علاقته بالمسائية بعلاقة الشغف الصحفي، مشيرًا في كلمته إلى أنه أعد زاوية «سياحة لغوية»، كانت تهتم بنشر الأخطاء الشائعة في استخدام اللغة العربية، قائلاً: محبتي للمسائية كانت امتدادًا لمحبتي لصحيفة الجزيرة الأم؛ بوصف المسائية تصدرها أيضًا مؤسسة الجزيرة. مختتمًا مشاركته بأبيات شعرية، تصف بعضًا من مشاعر عشقه للمسائية:
مسائية مسائية
لها فضل ومزية
لها في القلب منزلة
تباهي مثل حورية
لها في الحرف إبداع
وقول صادق النية
بها طابت لقاءات
فكانت نبض حرية
وفي مداخلة لفهد الحمدان وصف علاقته بالمسائية بأنها علاقة القارئ المختلف؛ لما تربط والده بمؤسسة الجزيرة من علاقة سابقة من خلال جمعيتها العمومية. واصفًا الشغف عبر هذا الارتباط، وعبر قراءة المسائية، بأنه كان ذا طابع خاص، جعلها مختلفة عن سائر الصحف في المحتوى وزمن الصدور. مؤكدًا أهمية إنتاج بعض المحتوى منها، وبثه عبر منصات الجزيرة لإحياء شيء من ذاكرة المسائية الصحفية.
تلا ذلك مداخلة محمد الحمد، الذي قال خلالها: أشرف في هذه المناسبة الذكرياتية بأن أكون بين أرباب الصحافة والقلم والكلمة؛ لذلك فالمسائية في هذه المناسبة تذكّرنا بما علينا أن نقوله لرئيس تحريرها الفعلي، رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» الأستاذ خالد المالك، الذي نقول له إن له دينًا في عنق كل مثقف سعودي، والمثقف العربي، بما يقدمه ملحق صحيفة الجزيرة (المجلة الثقافية) الذي لم يعد هناك للمثقفين ملحق سواه؛ ليظل يذكرنا بزمن الملاحق الثقافية ومجلاتها الثقافية، كمجلة (الرسالة) وغيرها من المجلات الثقافية التي تظل فضاء للمثقفين، مؤملين ألا يطولها توقف، وأن يُعمل عنها رسائل علمية لما تختزنه الثقافية من ذاكرة فكرية وإبداعية للمثقف السعودي والعربي، ولما تختزنه المسائية من أرشيف متنوع مختلف عما كان سائدًا في الصحف السعودية.
وأكد يوسف العتيق أن المسائية تستحق الكثير من الدراسات البحثية التي تستخرج الكثير من ذاكرة الصحافة السعودية عبرها، مشيرًا إلى أنه يقوم خلال هذه الفترة بالاشتغال على عمل يدرس من خلاله المسائية الذي من المتوقع أن يرى النور قريبًا. مؤكدًا ما تمثله المسائية من وثيقة لمضامين صحفية حافلة بالتنوع وحراك الحياة اليومية، وواصفًا المسائية تبعًا لمضامينها بأنها تعد صحيفة الصحف السعودية؛ لما تنشره من مضامين صحفية مختلفة من مختلف الصحف السعودية.