د.شريف بن محمد الأتربي
يُعد التستر آفة من آفات سوق العمل الحر في المملكة، حيث يعمد البعض إلى استغلال أي ثغرة من الثغرات من أجل التربّح السريع ودون بذل أدنى مجهود، ودون مراعاة اقتصاد الدولة والتأثير السلبي لمثل هذا الفعل عليه وعلى المجتمع ككل. فمنذ مئات السنين والمملكة تفتح أبوابها لجميع الراغبين في العمل من مختلف أنحاء العالم ولم تفرِّق يوماً بين أي عامل من ناحية الجنس أو العمر أو اللون أو الدين؛ فقط الهدف من قدومه هو العمل مقابل الأجر والمعاملة الحسنة. ومع نمو اقتصاد الدولة وتنوّع المشاريع والتوجه نحو الاقتصاد الحر؛ ازداد عدد العمال غير السعوديين في المملكة وبات الاعتماد عليهم في كثير من الأعمال حقيقة مطلقة لا جدال فيها؛ ولكن وفي غفلة من الزمن استغل بعض ضعاف النفوس وبمساعدة من بعض هذه العمالة؛ استغلوا الوضع وأصبح سوق العمل محتكراً من قبلهم دون أبناء الوطن، وأصبح استنزاف موارد الدولة يتم جهاراً نهاراً تحت غطاء التستر الذي يمارسه البعض دون النظر إلى عواقبه الوخيمة على الدولة والمجتمع، بل وعلى المتستر نفسه.
لقد تنبهت الدولة لهذه المشكلة منذ نهاية القرن الماضي وحتى الآن فسنت من القوانين ما تحارب به هذا التستر وتجرّمه وتعاقب فاعله، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر تم توطين الكثير من الوظائف بحيث أصبحت مقتصرة على أبناء الوطن فقط.
ويُعرف التستر في معجم المعاني الجامع بأنه:
تَسَتَّرَ: (فعل)
تستَّرَ / تستَّرَ بـ / تستَّرَ على يتستَّر، تستُّرًا، فهو مُتستِّر، والمفعول مُتستَّر به
تستَّر بالثَّوب: تغطّى به
تَسَتَّرَ الطَّيْفُ: اِخْتَفَى
تَسَتَّرَتِ الْمَرْأة بِحِجَابِهَا: تَحَجَّبَتْ
مِنَ الصَّعْبِ أَنْ يَتَسَتَّرَ الْمَرْء عَنْ أَخْطَائِهِ وَعُيُوبِهِ: أَنْ يُخْفِيهَا، أَنْ يَسْتُرَهَا
تَسَتَّرَ عَلَيْهِ: أَخْفَاهُ
تستَّر بالدِّين: تظاهر بالتّقوى والصَّلاح للوصول إلى هدف معيَّن.
ووفقاً لنظام مكافحة التستر الجديد الذي أقرته المملكة؛ يقصد بالتستر اتفاق أو ترتيب يُمكن من خلاله شخص شخصاً آخر غير سعودي من ممارسة نشاط اقتصادي في المملكة غير مرخص له بممارسته باستخدام الترخيص أو الموافقة الصادرة للمتستر.
وقد وجَّه المقام السامي في المملكة، بإنشاء لجنة وزارية تتولى الإشراف على البرنامج السعودي لمكافحة التستر التجاري، وتقترح الحلول والمبادرات التي من شأنها مكافحة تلك الظاهرة والقضاء عليها. كما تتولى اللجنة أيضاً الإشراف على تنفيذ المبادرات ووضع مؤشرات قياس أداء جميع الجهات المعنية مع متابعة التقيد بتنفيذ التوصيات الصادرة في الشأن ذاته.
وأكد الأمر السامي، على تولي الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي مهمة بناء مؤشر لقياس نسبة حالات اشتباه التستر التجاري وتحديثه بشكل دوري، وفقاً لما يردها من بيانات من الجهات المعنية.
إن التستر التجاري يعد واحداً من أشد مظاهر الفساد فتكاً بالمجتمع واقتصاد الدولة، ولا يجب أن تتحمَّل عبء مكافحته الدولة فقط متمثلةً في الجهات الحكومية والوزارية المخول لها ذلك؛ بل يجب أن يكون المواطن هو خط الدفاع الأول للقضاء على هذه الظاهرة، فكما شارك المواطنون في مكافحة الإرهاب المبني على العقيدة الفاسدة والمغذى بأموال الأعداء المتربصين بالمملكة شراً؛ يجب أن يشاركوا في مكافحة الإرهاب الاقتصادي الذي يضر بالمملكة ويؤخِّر خططها الطموحة نحو التحول لاقتصاد غير نفطي، بل إن كثيراً من هذه الأموال يتم دعم الإرهاب في الجنوب بها وتخرج من المملكة ليد الحوثيين.
إن المتابع لسوق العمل في المملكة العربية السعودية والمتفحص له يجد أن هناك الكثير من الأعمال يكاد يكون وجود المواطن فيها صفر %، وخصوصاً في مجال الورش بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومفهوم خاصة ورش الصيانة والحدادة والنجارة إلى جانب سوق الخضراوات والأسماك وغيرها، بل أضف إلى ذلك سوق المستعمل والذي يعد من أكثر الأسواق دراً للربح.
لقد كان للمملكة تجربة سابقة في توطين وظائف عدة، ولعل سوق الجوالات خير شاهد على إمكانية أبناء الوطن في العمل بأي مهنة فقط هم يحتاجون إلى فرصة وعدالة في المنافسة مع الآخرين. إن تعاون المواطن مع الجهات المختصة، والعقوبات المغلظة على المتسترين تجعلنا نرفع شعار: خير السعودية للسعوديين.