د. محمد بن عبدالله آل عمرو
الابتسامة والبشاشة وطلاقة الوجه من مكارم الأخلاق التي حثت عليها التربية الإسلامية، ونهت وحذرت من عبوس الوجه، وفظاظة التعامل، ورعونة السلوك، وسوء الخطاب، بل إن الله تعالى قد حذر نبيه صلى الله عليه وسلم من الفظاظة وغلظة القلب، لأنها سبب في تفرق الأتباع عن قائدهم؛ وقد أمر الله تعالى موسى وأخاه هارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون الطاغية مدعي الألوهية والربوبية، وأن يقولا له قولا لينا لعله يتعظ ويتقي الله ويعود إلى الحق؛ وقد جاء في الحديث الشريف: «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة»، ومن أسباب سعادة الناس وإدخال السرور والرضا في نفوسهم، اقتران الابتسامة وحسن القول عند مقابلتهم، ويعد ذلك جسر العبور الأسرع إلى قلوبهم وكسب مودتهم وتقديرهم.
ويتأثر الأداء في الأجهزة الحكومية ضعفا في الجودة ونقصا في الإنتاجية، وسخطا من المستفيدين، حينما يوجد فيها من بين الموظفين والموظفات الذين أوكلت إليهم مهام هداية الناس، أو تعليمهم، أو دعوتهم، أو تقديم الخدمة لهم، أو قضاء حاجاتهم، أو إنهاء معاملاتهم، سيئي طباع وأخلاق، ألفاظهم قاسية، ووجوههم عابسة، ونفوسهم أثقلها الكبر والغرور، فاعتادوا احتقار الناس، وازدراءهم، لا يقيمون لكرامة الإنسان وزنا، أو لحاجته بالا، أو لصحته اهتماما، أو لسنّه رعاية، فإذا تفقدت أحوالهم، وجدتهم الأقل كفاءة ومهارة مهنية، والأضعف انضباطا وإنتاجية، والأكثر تعاسة في حياتهم الأسرية والاجتماعية، يتوهمون الابتسامة في وجه المراجع والمبادرة إلى إنجاز معاملته ضعفا في مهنيتهم، ويحسبون عبوس الوجه وجفوة الكلام، وعدم رد السلام من لوازم الوظيفة، ويظنون التعالي على المستفيدين وعرقلة قضاء حاجاتهم وتأخير إنجاز معاملاتهم وإهدار أوقاتهم تمنحهم مقامات الوجاهة والرياسة، وأن تلك الهيئة المتأزمة تمنحهم الهيبة والوقار، وما علموا أولئك المساكين أنهم قد سقطوا من أعين الناس وأصبحوا ضمن قوائم النماذج السيئة الذين ابتلي الناس بالتعامل معهم، ومن شرار الخلق الذين يُكره التعامل معهم من غير وسيط، كما في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن من شر الناس من أتقاه الناس لشره».
ولأهمية ضبط جودة الأداء وزيادة الإنتاجية في الأجهزة الحكومية فقد تأسس المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة (أداء)، وهو مركز حكومي مستقل يرتبط تنظيميا برئيس مجلس الوزراء ويعمل على قياس مؤشرات أداء الأجهزة العامة وقياس رضا المستفيدين عن الخدمات الحكومية من خلال تطبيق نماذج ومنهجيات وأدوات موحدة لدعم كفايتها وفاعليتها، ويعد تطبيق (وطني) أحد أدوات المركز المهمة لقياس الأداء، ويبدو أن ثقافة المشاركة المجتمعية في قياس أداء الأجهزة الحكومية لازالت ضعيفة جدا، ويمكن أن تتحقق أهداف المركز بشكل ملحوظ، وأن يكون تأثيره أكبر في اتخاذ قرارات تطوير وجودة الأداء وزيادة الإنتاجية والقرارات الإدارية ذات الصلة برضا المستفيدين، حينما يرتفع مستوى تفاعل المستفيدين معه بشكل أكبر مما هو عليه الآن.
وقد قامت بعض الوزارات بمبادرات لقياس رضا المستفيدين، كما لدى وزارتي الصحة، والعدل، ولكنها ما تزال مبادرات خجولة ومحدودة، وغير مؤثرة في تحقيق الأهداف المنشودة.
ومن المبادرات الإقليمية لنشر ثقافة الابتسامة الجديرة بالإعجاب ابتكار أحد موظفي تقنية المعلومات في مؤسسة الاتصالات العامة في عجمان في الإمارات العربية المتحدة الشقيقة جهازا رقميا سمي «ابتكار السعادة» رسمت عليه الابتسامة، وتم تركيبه على بوابات الدخول والخروج في المؤسسة، وكتبت عليه عبارة «افتح الباب بابتسامتك»، فلا تفتح الأبواب حال الدخول وعند المغادرة لغير المبتسمين، ومن لم يبتسم يستقبله موظفون مختصون من مكتب سعادة المتعاملين (مكتب خدمة العملاء) تعلوا وجوههم الابتسامة والرضا، يتلمسون بمودة ولباقة أسباب عدم رضاه، ويقدمون له العون والمساعدة بمهنية وجودة فائقة حتى يرضى ويبتسم وتفتح له الأبواب.
ولأهمية الابتسامة والبشاشة وطلاقة الوجه في إسعاد المستفيدين ورضاهم، ورفع مستوى جودة الخدمة وزيادة الإنتاجية في الأجهزة الحكومية، فإنني أدعو عموم الإخوة والأخوات الموظفين والموظفات بأن يجعلوا الابتسامة وطلاقة الوجه وحسن الخطاب ولباقة الحوار والمبادرة الكريمة لسرعة إنجاز المعاملات، وتقدير حالة المراجع الاجتماعية والصحية والعمرية، هوية لهم يعرفون بها، وينالوا بها رضا المستفيدين، وجميل الأجر والثواب من الله تعالى.
خاتمة لإليا أبو ماضي:
يا صاح، لا خطرٌ على شفتيك أن
تتثلّما، والوجه أن يتحطما
فاضحك! فإن الشهب تضحكُ والدُّجى
متلاطمٌ، ولذا نُحبُّ الأنجما