عبدالرحمن بن إبراهيم أبو حيمد
يوافق اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر 2020م الموافق السادس من شهر صفر 1442هـ اليوم الوطني التسعين للمملكة العربية السعودية، ذلك اليوم الذي حدده الملك المؤسس الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله - وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة بصدور المرسوم الملكي الكريم رقم 2716 وتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، والذي أمر فيه بإطلاق اسم «المملكة العربية السعودية» على هذه البلاد، بعد أن أمضى اثنتين وثلاثين سنة من الجهاد في توحيد أجزاء الوطن، ولم شمله وشمل أهله تحت راية التوحيد، ونشر الأمن والعدل، والمساواة فيه.
نحتفل بهذا اليوم المجيد، لأنه كان بداية لأمن شامل، ولعهد زاهر، ورخاء عميم، نعتز به لأنه كان تتويجًا لمسيرة طويلة من الكفاح والتوحيد، توحد فيه الشمال مع الجنوب، والشرق مع الغرب، وأصبحنا بلدًا واحدًا، له دينه ومبادئه، وأركانه وثوابته. الملك المؤسس - رحمه الله -، وبذلك الجهاد العظيم الذي خاضه مع رجاله المخلصين من أبناء هذا الوطن، نقلنا من هامش التاريخ إلى صميمه، ومن مناطق مجهولة تتنازعها الأهواء والأغراض، إلى بلد أخذ مكانته العليا بين دول العالم، يعيش بأمن وأمان وسلم وسلام، ويسهم في توفير الأمن والرخاء الدوليين. كان سلاح المؤسس -غفر الله له- المصحف والسيف، قرآن يهدي به من يريد الهداية والصلاح والعيش بأمن وأمان، وسيف يقيم به العدالة ويقوِّم به من زاغ عن الطريق المستقيم، كان النصر حليفه في جميع معاركه، معارك التوحيد، ومعارك البناء والنهضة والتشييد.
منذ ذلك الحين، وما زال نموذج الوحدة التي أقامها الملك عبد العزيز - رحمه الله - نموذجًا حيًا وفاعلاً وصالحًا، عجزت أن تصل إليه كثير من الدول. ولله الحمد والشكر، هذه الوحدة أمَّنت لنا الاستقرار والعيش الرغيد، أمنَّت أمناً بعد خوف، وشبعًا بعد جوع، وتعلماً من بعد جهل، وتآخياً بعد عداء وتناحر، أمن حجاجُ بيت الله والمعتمرون إليه على أنفسهم فتكاثروا، وأدوا واجباتهم الدينية في أجواء أمن ورخاء، بعد أن كانوا يعتبرون القادم إلى هذه الديار معدومًا ومفقودًا، والعائد منها مولوداً. توفرت العقيدة الإسلامية لكل نفس بصفاء ونقاوة لا يشوبها شائب، قامت المدارس والكليات والمعاهد في كل صقع من أنحاء البلاد، تطارد الجهل، وتشعل قناديل العلم والفكر والمعرفة، توفرت المستوصفات والمستشفيات، تدار بأيدٍ وطنية، فقضت على المرض الذي كان يفتك بالناس في كل عام، ولا يترك منهم إلا القليل. توفرت المنتوجات الغذائية، وكل ما يحتاجه المواطن، من داخل البلاد وخارجها، فلم يعد بحاجة إلى الهجرة إلى الدول المجاورة، وغيرها بحثًا عن لقمة العيش. توفرت فرص العمل، وصار المواطن قادرًا على إعاشة نفسه بنفسه، وصلت نعم الله في هذه البلاد إلى حد كل يدعو فيه، اللهم لا تغير علينا نعمك، وأدمها وأرزقنا شكرها.
بعد ستة عهود من الحكم مرت على بلادنا الغالية، وهي ترفل في بحبوحة من الأمن والرخاء والاستقرار، وكان لكل عهد من هذه العهود حظه من نعم الله التي أنعم بها على هذه البلاد وأهلها، فكان الأمن والاستقرار، واستمرت التنمية والبناء والعمران، وتحسين ظروف العيش، وإتاحة فرص العمل لمن أراد أن يعمل ويكسب، وفي الوقت نفسه نال كل عهد نصيبه من ظروف الدنيا القاسية، ومن المشكلات والقضايا التي تخلقها بعض الدول لبعضها البعض، إما حسداً على النعم، أو طمعمًا في تلك النعم، أو لأهداف أخرى، وكان منها المحلية والدولية مثل حرب الخليج الأولى والثانية، والإرهاب، وحرب أفغانستان، والاعتداء على الحرم المكي والمصلين فيه، وانخفاض أسعار البترول إلى أقل من خمسة دولارات للبرميل، واجتياح لبنان من قبل إسرائيل، واعتداءات سبتمبر 2011م واتهام المملكة بها ظلمًا وعدوانًا، وهي مفبركة كلها ضد المملكة، وضد الدين الإسلامي الحنيف، ومع ذلك وقفت المملكة وحكامها وشعبها جبالاً شامخة، لا تحركها إلا إرادة الله سبحانه وتعالى، وعبرنا من كل منها بسلام وبشكيمة وقوة أقوى مما كنا عليه ولله الحمد. وكان سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله وأمده بالصحة والعافية- شاهدًا على هذه العهود وما دار فيها، بل ومشارك فيما اتخذته المملكة حيالها من سياسة، وهو اليوم يقود السفينة هو وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وفقهما الله إلى الخير، ولتحقيق ما نصبوا إليه من أمن وأمان ونعمة واستقرار لهذه البلاد ومن قطن بها.
نحتفل بهذا اليوم الوطني ونحن نعيش أجواء خير وبركة، وننعم بالأمن والاستقرار، على الرغم من الحوادث الجسيمة، التي مر بها العالم كله في عام 2020م، ومنها جائحة کورونا (كوفيد- 19) التي اجتاحت العالم كله، وأظهرت حجم قدرات الدول التي تدعي العظمة والتقدم في كل المجالات، وإذا بها أضعف من أن تقف في وجه فيروس لا يُرى إلا بعد تكبيره ملايين المرات، وتكون الإصابات العالية من المرضى ومن الموتى من نصيب الدول المتقدمة، أما المملكة فقد نجحت نجاحًا كبيرًا، وحافظت على مواطنيها، والمقيمين بها -والحمد لله. هذا إضافة إلى استمرار حرب اليمن، التي يراد منها إضعاف المملكة وتهديد كيانها، وقد نجحت المملكة في هذه الحرب على الرغم من تمدد أجلها، ودعم كثير من الدول لاستمرارها، كما نجحت في وأد الفتنة بين شمال وجنوب اليمن والحمد لله. انخفاض أسعار البترول كادت أن تؤدي إلى حرب بترولية، لولا حكمة قيادة المملكة، ومعالجة الأمر بروية وحكمة. على الرغم من هذه المشكلات الكبرى وغيرها، والتي حققت فيها المملكة نجاحات باهرة، فقد أنجزت المملكة في هذا العام 2020م الذي يعتبره العالم، عام مصائب وكساد، حققت المملكة فيه العديد من المنجزات على الصعيد المحلي والدولي.
ولا يتسع المقام لاستعراض هذه المنجزات المحلية والدولية، ولعلي في مناسبة أخرى أتطرق إليها وهي معروفة لكثير من الناس، وتطرق إليها الإعلام ونشرتها الصحافة. لقد حققت المملكة الكثير من المنجزات والإنجازات، وكلها تصب وتتلاءم مع رؤية المملكة 2030، بل إن ما تحقق يُعَدُّ أجزاء من هذه الرؤية التي ستنقلنا - بإذن الله - من دولة معتمدة على مصدر واحد من الدخل، إلى مصادر متعددة، يدعم كل منها الآخر، ويعوض كل منها ما قد يعتري الآخر من نقص أو کساد.
كل هذه المنجزات في فترة قصيرة قليلة تأتي داعمة لتحقيق رؤية المملكة 2030 والتي تهدف إلى جعل المملكة دولة غنية متقدمة في المجالات كافة، معتمدة على نفسها، وسواعد أبنائها ومنتجاتها، فيما تحتاج إليه في حياتها، وفي الدفاع عن نفسها، وتراثها وحضارتها. إن موقع المملكة الإستراتيجي في وسط القارات العالمية، وفي ملتقى طرق العالم البحرية والجوية، وتشرفها بقيادة العالم الإسلامي، بحكم ما منحها الله من وجود الأماكن المقدسة على أراضيها في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وما وهبها الله من خيرات تحت أرضها بتجدد اكتشافاتها كل يوم، وتزايد احتياطاتها من البترول والغاز كل سنة، يجعل منها مطمعًا للصديق والعدو، وللبعيد والقريب، وما نكابد من حروب، وما نواجه من مواقف سلبية، وتعنت ومعارضة في المواقف، وفي القضايا في المحافل الدولية، إلا دليل واضح على ما يحاك لنا، وما تكنه غالبية دول العالم ضدنا، وليس أمامنا حيال ذلك إلا أن نقوي جبهتنا الداخلية، ونبتعد عمَّا يؤثر على تلك الجبهة، ونضحي من أجل مصالحها وقوتها وصمودها، فالجبهة الداخلية هي ملاذ الوطن الآمن، وهي درعه الواقي. علينا أن نقوي أنفسنا بصناعة ما نحتاجه من أسلحة متطورة تغنينا عن العالم، وتجنبنا التحكم فيما نحتاجه منها، وكذا تصنيع ما نحتاجه في حياتنا اليومية وفي أعمالنا وشؤوننا. هذا اليوم الوطني التسعون الذي يمر بنا اليوم مناسبة عزيزة وغالية نتذكر من خلاله الجهود الجبارة التي بذلها الملك عبد العزيز - رحمه الله - ورجاله المخلصون في توحيد بناء هذا الوطن، وتذكرنا في الوقت نفسه بالجهد والتضحية والفداء الذي يجب أن يبذله كل مسؤول وكل مواطن في سبيل الحفاظ عليه، والرفع من شأنه، وتقوية دعائمه وأركانه وبناه.
نبارك لسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والأسرة المالكة، والشعب السعودي بهذه المناسبة، مبتهلين إلى العلي القدير أن يعيدها على الوطن وقادته وشعبه أعوامًا عديدة، وهم في أمن وأمان ونعمة ورخاء وعافية، إنه ولي ذلك والقادر عليه.