م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - يرى أول المنَظِّرين في الحضارة «ابن خلدون» أن قيام «الدولة» أساس لقيام حضارة.. فيها يتحرَّك المجتمع بناءً على «العصبية» التي تقوم مقام «الوطنية» بمصطلحات اليوم.. ويساعدها «الدين» كمظلة روحية، و»الإقليم» كموقع جغرافي، و»القيادة» إذا كانت رشيدة.. والحقيقة التي يثبتها لنا التاريخ ويؤكِّدها الواقع أن العامل الأهم لقيام الحضارات هو «القيادة الرشيدة».. فهي التي يمكن أن تجمع الجهود أو تبعثرها.. وهي التي تُشَرِّع وتنظِّم وتراقب.. وهي التي توفر الاستقرار والأمان لأي مجتمع.. وهي التي تهيئ الأجواء لازدهار الاقتصاد والأعمال وصلاح أمر الناس.
2 - «الحكم الرشيد» هو الذي يُقِيْم ويضع أسس الدولة.. فيؤلّف الحكومة التي تدير شؤون المجتمع وتدفعه نحو التطور والازدهار.. ويسن التشريعات التي تحفظ الحقوق وتحقق العدل.. ويعمل على إرساء التنظيمات التي تواكب التطورات والمستجدات الحياتية وتراعي أحوال الناس وظروفهم.. ويراقب تطبيق التنظيمات لكنه يترك للناس حرية بناء حياتهم وكسب رزقهم وتطوير أعمالهم.. وهو الأمر الذي نتيجته ازدهار الاقتصاد وبالتالي قيام الدول.. وكلما نما وكبر الاقتصاد نمت الدولة وزاد تأثيرها في محيطها فأصبحت حضارة.
3 - ولو نظرنا إلى واقعنا في المملكة اليوم لوجدنا أنها تمتلك كل عناصر قيام الحضارة.. فهي من دول العشرين المؤثِّرة على مستوى العالم.. وهي التي تكتنز ثلث طاقة العالم من النفط في أرضها.. وهي التي تحتضن أقدس مدينتين في الإسلام.. وهي التي تقود نمواً مستداماً امتد تسعين عاماً.. وهي التي يمثِّل العنصر الشبابي (70 %) من هيكلها السكاني.. وهي التي تنافس على المستوى العالمي في كل المجالات العلمية والفكرية والثقافية والرياضية والاقتصادية.. وهي التي لها اليد العليا عالمياً في أداء دورها في المسؤولية المجتمعية.. تقع في مركز التقاطع بين ثلاث قارات.. وفوق ذلك حباها الله بحكم رشيد.. فلم يشهد مجتمعها خلال قرن كامل إلا التنمية الصاعدة التي نقلته من الأمية الكاملة إلى التعليم الكامل.. وجعلت المملكة تتبوأ مركزاً متقدماً جداً بين الدول في الحكومة الإلكترونية.
4 - امتلاك المملكة لكل دعائم ومقومات الحضارة هو العنصر الأهم في تخطيط «رؤية المملكة 2030» التي تستهدف النهوض الحضاري بالمجتمع.. وهذا المجتمع لن يجد نفسه خالي الوفاض أمام هذا التحدي الكبير لكنه سوف يجد بنية تحتية متكاملة.. وسوف يجد بنية إلكترونية متفوِّقة.. وسوف يجد نظاماً إدارياً حديثاً.. بالإضافة إلى الكوادر الوطنية المؤهلة.. وعلى ذلك يمكن القول بأن جميع العناصر والمقومات مهيأة لدى المجتمع السعودي لقيام النهضة الحضارية التي يتطلع إليها الجميع.
5 - المملكة تعيش اليوم بواكير مرحلة النضج الحضاري.