د. أحمد بن محمد السالم
تسعون عاماً مرت على قيام مؤسس هذه البلاد المباركة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- بتوحيد مملكتنا الحبيبة المترامية الأطراف، التي تقدر مساحتها بنحو مليوني كيلومتر مربع، وتُعد ثالث أكبر دولة في العالم، وتشكل أربعة أخماس شبه الجزيرة العربية، وتتوسط ثلاث قارات، وتحتضن الحرمين الشريفين، كانت قبل التوحيد صحراء قاحلة، تقطنها قبائل متناحرة، تعيش تضاريس قاسية، تفتقر إلى الاحتياجات الضرورية كالغذاء والماء، فقيض الله لها قائدًا فذًا، صقر الجزيرة العربية، الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، تضامن معه الآباء والأجداد، في ملحمة تاريخية، تحت راية التوحيد، فما لبث أن حل الأمن والطمأنينة محل الخوف والرعب، ورغد العيش مكان العطش والجوع، وتقوى بنيان هذا الكيان ونما وتطور عبر الأزمنة والعقود، بقيادة أسرة كريمة وزعماء مصلحين، بدءاً من الملك سعود، فالملوك فيصل وخالد وفهد وعبدالله أسكنهم الله فسيح جناته، وانتهاء بسيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، أمد الله في عمره.
يحق لنا الاحتفال باليوم الوطني، وقد تحقق كثير من الإنجازات والنجاحات من خلال رؤية المملكة 2030، التي هندسها وأشرف على برامجها وخططها التنفيذية بشكل مباشر شاب طموح، لا يعرف الملل ولا الكلل، سيدي ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، الذي تعانق طموحاته وتطلعاته عنان السماء، اجتاز سموه ترسبات الماضي بشجاعة، وعالج مكامن الخلل والتقصير بحزم وقوة، واستشرف المستقبل برؤية ثاقبة. ومن حق المواطن الحكم على هذه المرحلة التي نمر بها من واقع حالنا اليوم مقارنة بالأمس، ونبرهن على ذلك بلغة الأرقام التي لا يمكن إخفاؤها أو تكذيبها. ومن منطلق اختصاصي (علم الاقتصاد) وكأستاذ اقتصاد للاقتصاد العربي السعودي، أؤكد للقارئ الكريم بأن الاقتصاد السعودي اليوم، مقارنة باقتصاديات الدول الأخرى، أقوى وأمتن من ذي قبل. فعلى سبيل المثال، صندوق الاستثمارات العامة الذي يعد صمام الأمان لرفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية، تمت إعادة هيكلته وتنظيمه، فتضاعف رأسماله بأكثر من الضعف، من نحو (600) مليار ريال في عام اعتماد الرؤية (2016م) إلى أكثر من (1.46) مليار ريال هذا العام، وذلك في أصول واستثمارات واعدة، سواء في الداخل أو الخارج. واحتل بذلك المركز الثامن كأكبر صندوق سيادي في العالم، وبلا شك فإن عوائد هذه الاستثمارات الضخمة تساعد على زيادة الإيرادات غير النفطية، وتسهم في تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط. كذلك أرامكو نالت نصيبها من التغيير والتطوير من خلال برنامج تحولي متكامل، جعلها في موقع القيادة والريادة في بورصات الأسواق العالمية، وباتت أكبر شركة مساهمة في العالم.
ومن الإصلاحات والتطورات الإيجابية والملموسة، ما نراه اليوم من مشاركة ووجود المرأة السعودية في مختلف أنشطة وقطاعات الاقتصاد، لتعيش بكرامة وأنفة، مثلها في ذلك مثل شقيقها الرجل. ويعكس حقيقة ما ذكر زيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة لسوق العمل السعودي من 22 في المائة في العام الأول من الرؤية إلى 25.9 في المائة هذا العام، ولسنا ببعيد عن المستهدف في الرؤية (30 في المائة). فإذا كان من أوليات القيادة الرشيدة رفع معدلات التوظيف، فإنها لم تهمل حاجة المواطن إلى السكن الملائم، فتملك الأسر السعودية للمساكن زادت من 47 في المائة عام 2016م إلى أكثر من 62 في المائة هذا العام، واقتربنا من المستهدف في الرؤية (70 في المائة). وفي عامنا الوطني، نحتفل بتقدم ترتيب المملكة وارتفاع معدلات إجمالي الناتج المحلي الأسمي متجاوزة بذلك جمهورية تركيا، لتصبح رقم (16) ضمن مجموعة العشرين، أكبر اقتصادات العالم، بدلاً من (18) في عام 2016م. وقريباً تستضيف المملكة قمة العشرين، وتترأس زعماء وقادة الدول العظمى. ويعد الاقتصاد السعودي أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، ويعزز من قوة هذا الاقتصاد ومتانته ما تتمتع به المملكة من أصول احتياطية في الخارج تقدر بنحو (1.7) تريليون ريال، تكفي لتغطية جميع واردات المملكة لأكثر من ثلاثة أعوام، كذلك نسبة الدين العام من إجمالي الناتج المحلي تعد الأقل من بين دول العالم. واليوم نحتفل بتجاوز المملكة لجائحة كورونا بكفاءة واقتدار، وبشكل مشرف اقليمياً ودولياً، بدافع الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين على تراب هذا الوطن المعطاء. وعند اكتشاف أول حالة في بداية مطلع شهر مارس من هذا العام، اتخذت الدولة إجراءات عاجلة، بعيداً عن دهاليز البيروقراطية المعتادة، فأوقفت في الشهر ذاته صدور تأشيرات العمرة، وعلقت رحلات الطيران الدولية، وأغلقت المنافذ الدولية، باعتبار الجائحة وباءً مستورداً ودخيلاً على البلاد. وعلى الصعيد المحلي، علقت الدولة في شهر مارس الماضي الحضور في أماكن العمل والمدارس والجامعات، وفرضت حظر تجوال كامل على كثير من المدن والبلدان، وطبقت الإجراءات الاحترازية بحزم كالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات الواقية، واستخدام أدوات التعقيم والتطهير، وواكب ذلك كله توعية شاملة على منابر المساجد، ووسائل الإعلام المختلفة. فجاءت النتائج مبشرة بالخير، حيث بلغت نسبة التعافي في حدود 94 في الائة من الحالات المسجلة، مقارنة بـ 68 في المائة كمتوسط عالمي، وكذا تدني نسبة الوفيات من إجمالي الحالات، فلم تتجاوز 1.3 في المائة في المملكة مقارنة بالمعدل العالمي (3.1 في المائة). ويجسد نجاعة الإجراءات الوقائية والاستباقية التي اتخذتها الدولة في التصدي للجائحة، انخفاض أعداد المصابين يوماً تلو الآخر، إذ بلغت نحو 500 حالة في اليوم في الآونة الأخيرة، بعد وصولها الذروة (4919) حالة في يوم 17 من شهر يونيو الماضي.
أستطيع القول إن المملكة تعيش اليوم حراكاً اقتصادياً واجتماعياً لم يسبق له مثيل، لترجمة أهداف وبرامج رؤية المملكة 2030 إلى واقع ملموس، لنرتقي إلى مصاف الدول المتقدمة والصناعية بحلول عام 2030م. ويحق لنا هذا اليوم التفاخر والاعتزاز بقيادتنا الحكيمة التي استطاعت بتوفيق الله التغلب على كثير من الصعاب، غايتها توفير حياة معيشية كريمة لأبناء الوطن، ونقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة في كافة المؤشرات الاقتصادية والتنموية. أنجزت المملكة في الأعوام الأربعة من عمر الرؤية ما لم يتم إنجازه في عقود، بفضل الله ثم بالإجراءات والسياسات الحكيمة والموفقة لقيادة هذه البلاد. ولا نملك إزاء هذا السجل المشرف، إلا أن نرفع أكف الضراعة للمولى عز وجل بأن يحفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والأسرة المالكة الكريمة والشعب السعودي الأبي من كل بلاء ووباء، وكل عام ووطننا في أمن وأمان ورخاء وازدهار وعز وسؤدد بإذن الله.
** **
- نائب وزير الداخلية سابقاً وعضو مجلس ادارة جمعية الاقتصاد السعودية