إبراهيم بن سعد الماجد
تسعة عقود مرّت علينا في هذا الوطن منذ توحيد أجزائه، على يديّ مؤسسه الملك عبدالعزيز - رحمه الله -.
تسعة عقود قادها المؤسس ومن بعده أبناء صدقوا ما عاهدوا الله عليها، فحافظوا على الأرض، وأكرموا الإنسان.
قيل لأعرابي ما الغبطة؟ قال: الكفاية مع لزوم الأوطان. وقديماً قالت العرب من علامات الرشد أن تكون النفس إلى بلدها تواقة وإلى مسقط رأسها مشتاقة. قال الأصمعي وهو من رواة أخبار العرب المشهورين: (سمعت أعرابياً يقول: إذا أردت أن تعرف الرجل، فانظر كيف تحننه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه). في تذكر يوم الوطن ما يدفع لشكر المنعم، وفي تذكر يوم الوطن ما يدفع للترحم على من بذلوا وضحوا وجاهدوا حتى نعمنا بما نحن فيه اليوم.
يأتي اليوم الوطني التسعون، حاملاً ذكريات توحيد هذه البلاد على يدي رجل.. ورجال خاضوا تحدياً عظيماً، وبذلوا جهداً كبيراً في لم شمل كان مشتتاً، وقلوب كانت متنافرة، وأرحام كانت مقطوعة. الرياض كانت على موعد مع النصر والعز ففي الخامس من شهر شوال عام 1319هـ، الموافق 15 من يناير 1902م، استعاد الملك عبد العزيز ورجاله الرياض منطلق الدولة وأرض القوة والعزة، وسارت قافلة التوحيد يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر وسنة بعد سنة ليأتي يوم التوحيد في 17 جمادى الأولى من عام 1351هـ ويصدر المرسوم الملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم «المملكة العربية السعودية» معلومات نوثّقها للجيل عاماً بعد عام، تذكراً لنعمة الله علينا، وطلباً لحفظ هذه النعمة، وصيانتها لنبقى -بإذن الله - في أمن وأمان ورغد عيش. هذه البلاد قامت على شيء واحد وهو توحيد الله، ولذا كان أول نداء سمعه أهل الرياض لحظة سيطرة الملك عبد العزيز -رحمه الله - على البلدة كان نداء التوحيد (الملك لله ثم لعبد العزيز) هذا النداء أو هذا الصوت الذي جلجل في أركان البلدة كان أكبر مطمئن لأهلها وأكبر رسالة لهم بأن الحكم حكم الله لا حكم الطواغيت.
يقول الملك عبد العزيز -رحمه الله - في كلمة له (إني لا أريد علواً في الأرض ولا فساداً، ولكن أريد الرجوع بالمسلمين إلى عهدهم الأول). أقواله لم تكن كلام ليل، وإنما كانت حقيقة أو قل عقيدة يعتقدها -رحمه الله - بأنه فعلاً يريد أن تعود هذه الأمة إلى عهد الصحابة والتابعين الذين هم متبعون لا مبتدعون. جاهد في سبيل تصحيح مسارات كانت خاطئة عند قبائل ذات عادات مختلفة، فحقق نجاحاً لمس أثره الحاضرة والبادية، فصار الناس إخوانا. المملكة العربية السعودية يقطنها قبائل عربية أصيلة ذات تاريخ موغل في القدم لها قوتها ولها منعتها، ومع ذلك جاءت منقادة للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن -رحمه الله -، وهنا لا بد من سائل يسأل: لماذا حصل هذا وهذه القبائل ذات منعة وقوة؟ والجواب لا يحتاج إلى مزيد عناء، جاءت منقادة طائعة لأن دعوة الملك عبد العزيز كانت دعوة إصلاحية لا سلطوية، دعوة لم شمل هذه القبائل على كلمة الجميع يتفق عليها وهي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولذا فرحت كل القبائل شيوخاً وعامة بهذا الأمر كونه سيصون الدماء والأموال والأعراض. كتب التاريخ أن الملك عبد العزيز كان الأقل عدداً وعدة ومع ذلك حقق المعجزة وجمع الأمة المتناحرة المتقاتلة في مجلس واحد وحقق بينهم المصاهرة والمصاحبة والمحبة، ألا يُحسب هذا الإنجاز العظيم لهذا الملك العظيم؟ حقاً إنه إنجاز خارج سياق التاريخ ... وللتاريخ نكتب اليوم وله كُتب بالأمس عن هذا الأنموذج الأميز على مر تاريخ البشرية الملوك والسلاطين، فلم يُعرف عن قائد أنه حقق مثل هذه الوحدة بين قبائل ذات قوة ومنعة. واليوم ونحن نكتب عن يوم الوطن نتذكّر كلمة للملك عبدالعزيز لحجاج بيت الله الحرام، حيث قال: (أشكر الحق جلَّ وعلا على أن أتاح لنا هذا الاجتماع بوفود بيت الله الحرام، الذين جاءوا لأداء فريضة الحج، التي هي ركن من أركان الدين. ومن أهم غايات هذه الاجتماعات ولا ريب، التعارف والتناصح بين المسلمين، والتناصح لا يكون إلا بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - الدين النصيحة -. ومن واجب المسلم إسداء النصيحة للمسلمين، وإنارة السبيل لهم، وأنا فرد من المسلمين، من واجبي أن أشرح لهم ما أنا عليه، وأن أبيِّن لهم الطريق السوي، وإني أعتبر الكبير والداً، والوسط أخاً، والصغير ولداً لي. وقد جعلنا الله أنا وآبائي وأجدادي مبشّرن ومعلّمين بالكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، لا نتقيد بمذهب دون آخر، ومتى وجدنا الدليل القوي في أي من المذاهب الأربعة رجعنا إليه، وتمسكنا به، وأما إذا لم نجد دليلاً قوياً، أخذنا بقول الإمام أحمد، فهذا كتاب الطحاوية في العقيدة الذين قرأه وشرحه للأحناف، وهذا تفسير ابن كثير، وهو شافعي، ولكن المسلمين تركوا سنة الرسول والسلف الصالح، واتبعوا أهواءهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام - (لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). تاريخ ناصع البياض لوطن هو ملاذ كل مسلم على وجه البسيطة، قادته خدَّام للحرمين الشريفين، وشعبه مع قيادته يد واحدة لكل ما فيه خير للإسلام والمسلمين. واليوم ونحن في عهد ملك الحزم والعزم الملك الشجاع سلمان بن عبد العزيز يحق لنا أن نرفع رؤوسنا عالية شامخة معتزة بهذا الوطن.
اللَّهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين لكل ما فيه رفعة هذا الوطن وعزه.