عبد الله الصالح الرشيد
في مطلع القرن الهجري الماضي وقبل مائة عام ونيف، وبالتحديد عام 1319هـ. أراد الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة خيراً بعد ما عانته من خلف وتخلف لقرون عديدة، ووفق هذه البلاد المتناثرة المتنافرة التي تشبه القارة في مساحتها إلى من يجمع شتاتها ويوحد كلمتها ويغربل ويصقل طاقاتها الكامنة.. فقيض لها هذا البطل المغوار والإمام الملهم الهمام والمناضل الجسور عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- وأحسن مأواه فجمعها على الأخوة والمودة والمساواة، تحت مظلة العدل والمحبة والأمان.
لقد فتح عبدالعزيز وهكذا كان يسميه الآباء والأجداد، لأن هذه التسمية كانت أقرب طريق إلى قلبه ونفسه لتواضعه وورعه -يرحمه الله-.. لقد فتح الرياض وليس معه سلاح يذكر ولا يملك قوة قاهرة يركن إليها أو ثروة طائلة ينهل منها ولكن كان معه ما هو أهم وأكبر وأغنى وأسمى، هو سلاح الإيمان بالله والتوكل عليه، ثم ما عُرف عنه واشتُهر به من العزيمة الصادقة والإرادة الموهوبة، والنجابة المتوارثة، والحلم والحكمة والتخطيط الفطري الأصيل، من أجل تحقيق الهدف الرفيع، ومعها كلها القلب الناصح والإخلاص للمبدأ، والتجرد من المطامع الآنية الزائلة، تحيطه
-يرحمه الله- محبة الناس وثقتهم به والتفافهم حوله، جاعلاً كتاب الله الكريم وسنة نبي الهدى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم دستور حياة وعنوان نجاة ودليل خير وهداية لهذه الأمة في حاضرها ومستقبلها في معاشها ومعادها.. وجعل القضاء والشورى ميزاني عدل، ترتاح لهما القلوب، وتطمئن النفوس وتتحقق المساواة.. لقد رفع قدر العلم والعلماء وفتح الأبواب لكل نافع ومفيد، وقضى على الجهل وأهله، لتحتل هذه البلاد مكانتها الشامخة والمهيبة بين الأمم العظيمة، لتساهم بفاعلية في البناء والنماء والحضارة في عصر لا مكان فيه ولا أهمية للواقف والمتفرج أو المتخاذل والمتردد والضعيف والجامد.. وكانت رسالة العلم والثقافة في عهده ومن بعده رسالة خير وبناء، ودعوة مفتوحة إلى تنوير العقل والانفتاح على مستقبل أفضل للحياة السعودية، بما يليق بمكانة هذه الأمة ويرفع شأنها بين الأمم.
إلى هنا ومهما استطردنا وأفضنا في الحديث فلن نوفي أبا الأمة ورائدها وموحد كلمتها وكيانها وباني أمجادها بعض ما يستحقه من إشادة وثناء، وكفاه فخرًا أنه وحّد وأقام على العلم والإيمان والمحبة أكبر مملكة في القرن العشرين، وبهذه الإرادة والعزيمة والكفاح المتواصل المثمر والبناء الحضاري أصبح أحد صناع التاريخ ورواد الوحدة العظام بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وأدام على بلادنا وشعبها نعمة الأمن والأمان والخير والرفاهية، وأزال عنها شرور الحاسدين من الأعداء والجاحدين، وجعل كيدهم في نحورهم.
وصدق القائل في محكم تنزيله: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.. والله الموفق