د.فهد نايف الطريسي
نحتفل في عيدنا التسعين ويد بلادنا بقادتها وشعبها هي العليا في مد يد العون وتقديم المساعدات للعالم العربي والإسلامي وللإنسانية جمعًا. فحكومات المملكة منذ تاريخ المؤسس إلى تاريخ ملك الحزم والأمل وهي تمد يد العون للدول والشعوب.
أوردت المنصات الأخبارية عن إعلان المملكة لكل ما تقدمه من مساعدات ومعونات إنسانية للدول الأخرى، وذلك دعماً للشفافية، فدخلت إلى الموقع المخصص لتلك المعلومات التفصيلية، وهو منصة المساعدات السعودية. وبمجرد قراءتي للصفحة الرئيسة حتى اتسعت دهشتي، فالمملكة تنفق مساعدات لدول أخرى بنحو اثنين وثلاثين مليار دولار.
ويبدو أن المواطن السعودي لن يعرف معنى أن تقدم المملكة مساعدات بمبلغ اثنين وثلاثين مليار دولار لقرابة 155 دولة، إلا إذا عرف المواطن أن أغلب ميزانيات أغلب دول العالم الثالث لا تتجاوز عشرة مليارات دولار، وإذا زادت عن ذلك بحيث تبلغ فقط حدود العشرين مليار فستعتبر الدولة نفسها دولة رفاهية.
لم يدهشني هذا الإنفاق الهائل فقط، ولكن ما يدهشني هو أن أغلب الشعوب التي تتلقى تلك المعونات لا تعلم عنها شيئاً، وذلك لأسباب عدة من أهمها:
1- تعمد الحكومات على عدم نشر المساعدات الأجنبية لها، لأنها ترغب في الظهور أمام شعوبها بمظهر الحكومات الناجحة.
2- الفساد: حيث تخفي العديد من الحكومات الفاسدة عن شعوبها المبالغ الضخمة التي تتلقاها من الخارج، وذلك لأن هذه المبالغ لا تصل للشعوب في حقيقة الأمر.
3- تعمد العديد من الدول التي تتلقى المساعدات إلى إخفائها عن شعوبها، منعاً لخلق رابط إيجابي بين المملكة وبين شعوبها لأهداف سياسية.
لذلك فالواقع يشير إلى أن المملكة ترتد عليها تلك المساعدات بضرر أكثر من النفع، وذلك لأسباب عدة:
أولاً: ودعماً لرسالة الإسلام قبل كل شيء، يجب أن تعلم الشعوب بأن المملكة تقدم لها مساعدات، وذلك لكي تعرف أن المملكة تتعامل بقيم وأخلاق الإسلام، خلافاً للدول الأخرى، التي تأخذ باليسار أضعاف ما تأخذه باليمين، منتهكة حريات الشعوب وثقافاتهم وسيادتهم. وتفرض عليهم أجندة لا تتفق مع خواطرهم ومبادئهم. فتغيير إستراتيجية الدعم والمساندة، تؤدي إلى التعريف بالقيم الإسلامية السعودية، مما يحبب تلك الشعوب إلى الإسلام، وفي ذلك أجر عظيم.
ثانياً: تغيير الإستراتيجية السعودية، يؤدي إلى دعم الشفافية في تلك الدول، والتأكد من أن تلك المليارات تذهب إلى المستهدفين منها حقاً.
ثالثاً: تخلق الإستراتيجية الجديدة رابطاً معنوياً وأدبياً بين شعوب تلك الدول وبين الشعب السعودي، وهذا سيحقق للشعب السعودي أمناً أكبر حينما يزور المواطن تلك الشعوب التي عرفت قيم هذا المواطن وقوة دولته.
رابعاً: لا يمكن أن تقدم المملكة مساعدات لأنظمة معادية للمملكة، ولذلك يجب أن تتوجه المساعدات مباشرة إلى الشعوب. فالأنظمة التي تخفي مساعدات السعودية، تستفيد من وفرة المال، في دعم نفسها دعائياً. وتقوية نفوذ سيطرتها على الشعب، وربما توجيهه توجيهاً معادياً للمملكة أو لمصالحها الإستراتيجية.
خامساً: لا يوجد أي مانع أخلاقي من أن تستفيد المملكة من تلك المساعدات لدعم نفوذها الدولي، عبر تلاحم مواقف الشعوب مع مواقفها. فالمملكة لم تعمل يوماً ضد مبادئ الحق والخير والعدل.
إن الإستراتيجية الجديدة للمساعدات الخارجية، يجب أن ترتكز على النقاط التالية:
1- وصول المساعدات إلى الشعوب مباشرة بغير وسيط من الحكومات أو المنظمات غير السعودية متى ما أمكن ذلك.
2- في حالة صعوبة ذلك، يجب أن تجري المملكة اتفاقيات ثنائية مع تلك الحكومات، بحيث يكون الحضور السعودي واضحاً في المشهد.
3- يجب على أي منظمة مستفيدة من تلك المساعدات، أن تضع شعار المملكة إما على أسمائها أو على السلع التي يتم تقديمها. ولا يتم التعامل مع أي منظمة لا تضع تلك العلامات الواضحة مع الإشارة إلى ختم بجملة (دعم من المملكة العربية السعودية) في مكان بارز من السلعة.
4- العمل على تقييم دور تلك المساعدات بشكل دوري في دعم الشعوب، وعدم انحراف الهدف عن ذلك.
5- الإعلان عن المساعدات قبل تقديمها بوقت لا يقل عن أسبوعين ولا يتجاوز شهرًا، والاستمرار في الإعلان عن رغبة المملكة في تقديم تلك المساعدات، لخلق أعلى نسبة انتشار إعلامي، في الدولة المعنية.
6- يجب أن تفتح المملكة خطًا ساخنًا لتلقي أي شكاوى شعبية، تثبت عدم وصول تلك المساعدات لمستحقيها، أو انحراف المنظمات المستفيدة عن الأهداف الإستراتيجية التي تتوخاها المملكة من تلك المساعدات.
7- على المملكة أن تفرض على الحكومات المعادية التعاون في ذلك أو وقف المعونة عنها فوراً.
8- سنّ نظام (قانون) لتنظيم تقديم المساعدات الخارجية، والضوابط الإجرائية والفنية والمالية والأمنية التي تحكمها. كما يمكن توحيد الجهة المؤسسية المانحة، تسهيلاً للرقابة والضبط والمتابعة والتنسيق مع مؤسسات الدولة الأخرى ذات الصلة.
وأخيراً؛ إذا كنا ننفق تلك المليارات، فلا أقل من ألا ننفقها على أنظمة معادية، تحرض شعوبها ضد المملكة، أو تزيد قوتها العدائية. ولا أقل من أن تمتلك المملكة حق الرقابة على أوجه الصرف والإنفاق لتلك المساعدات، وجدواها، وتقييمها فنياً ومالياً وقانونياً وسياسياً وأمنياً.
هذا، وكان الله من وراء القصد.
** **
- أستاذ القانون بجامعة الطائف