«الجزيرة» - منيف خضير:
تعاملت المملكة مع جائحة «كورونا» باحترافية عالية على جميع الأصعدة بشعار «الإنسان أولاً»، وفقاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- فقد كان الإنسان نصب الاهتمام والرعاية بداية من الخدمات الصحية الراقية ودعم هذا القطاع الحيوي والمهم بكل ما يحتاج إليه ليقوم بتأدية دوره على أكمل وجه للمواطنين والمقيمين، إضافة إلى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومستوى المعيشة وإدارة الأزمة والتخطيط لها بكل احترافية. مما يعكس حرص حكومة المملكة من خلال تلك الجهات؛ على تطبيق المعايير الدولية المعتمدة، ودعم جهود الدول والمنظمات الدولية وبالأخص منظمة الصحة العالمية لوقف انتشار الفيروس ومحاصرته والقضاء عليه -بإذن الله-.
الملك وولي العهد وإدارة الأزمة
قدمت الحكومة السعودية للعالم نموذجاً رائعاً وعملاً استثنائياً في التصدي للأزمة؛ حيث تحدث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان إلى شعبه بكل شفافية، موضحاً حقيقة الأمر، وفي الوقت نفسه أدخل الطمأنينة في النفوس، حيث أكد الحرص الشديد على صحة المواطن والمقيم.
قال خادم الحرمين الشريفين -رعاه الله-: «أؤكد لكم حرصنا الشديد على توفير ما يلزم المواطن والمقيم في هذه الأرض الطيبة من دواء وغذاء واحتياجات معيشية».
وفي ذات السياق، أمر صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتشكيل لجنة وزارية بشكل عاجل ومبكر، تضم عشرين وزيراً، وذلك قبل ظهور أي حالة في المملكة، وتفرع منها لجنة أخرى تضم وكلاء الوزارات. واتخذت الدولة قرارات مهمة وسريعة وحازمة، وفرضت إجراءات احترازية محكمة، حتى قبل ظهور أي إصابة، والتي ظهرت في 2 مارس 2020م، شملت الإجراءات تعليق الدخول إلى البلاد وبين المناطق داخل البلاد، وتعليق الدراسة في الجامعات والمدارس وتعليق الحضور إلى مقرات العمل للقطاعين الحكومي والخاص، وإغلاق دور السينما والمولات والمجمعات التجارية، وتعليق الأنشطة الرياضية والمناسبات وإيقاف الصلاة في المساجد وحظر التجول.
اقتصاد متعافٍ رغم الجائحة
في الوقت الذي تأثرت فيه دول كثيرة في ظل أزمة جائحة فيروس (كورونا كوفيد19 المستجد) فقد تعاملت المملكة العربية السعودية باحترافية عالية تعكس مدى تعافي الاقتصاد السعودي؛ فقد اتخذت الدولة عدة قرارات لتوفير الموارد المالية الإضافية والدعم اللازم بما يضمن استمرارية العمل في القطاع الحكومي، لتقديم جميع الخدمات للمواطنين والمقيمين، ويكفل دعم القطاع الخاص وتحفيز الأنشطة الاقتصادية، للحفاظ على مستهدفاتها في الاستدامة المالية وسلامة القطاع المالي والاقتصادي، بما يضمن وفرة الإمداد من المواد الغذائية والدوائية.
وقد صدر الأمر الملكي الكريم القاضي بتحمل الحكومة 60 % من رواتب العاملين في القطاع الخاص، إضافة إلى حزمة من المبادرات الداعمة بنحو 120 مليار ريال، منها مبادرات من مؤسسة النقد ومبادرات من الصناديق والبنوك التنموية لتخفيف الأثر المالي والاقتصادي على القطاع الخاص.
كما قال وزير المالية في تصريح له «إن الاحتياطات النقدية مكنت المملكة من مواجهة أزمة كورونا من موقع قوة».
وهذا ما أكده (صندوق النقد الدولي)، مشيرًا إلى أن النظام المالي في المملكة مهيأ بشكل جيد لمواجهة الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا. ويظهر ذلك من ضخ ما يقارب 300 مليار ريال لدعم أصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة وأصحاب البنوك، وأجلت الكثير من الدفعات المستحقة للمؤسسات ممن لديهم تسديد أقساط.
وقد قدمت المملكة مساعدات مالية عاجلة لعدة دول منها الصين وفلسطين والسودان ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الإنسانية والإغاثية لمواجهة جائحة كورونا، ومد يدها للدول والمنظمات في هذه الأوقات الصعبة، في وقت عجزت فيه دول متقدمة عن توفير المستلزمات الأساسية لمواطنيها والمقيمين على أراضيها، ما يؤكد قوة المملكة ودورها الإنساني الريادي في دعم الإنسانية.
خدمات صحية للمواطن والمقيم
صدور الأمر الكريم الذي قضى بتقديم الرعاية الصحية لجميع المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة في كل ما يتعلق بعلاج فيروس كورونا عكس جهود الدولة في مجال الرعاية الصحية؛ حيث دعمت الدولة القطاع الصحي بـ17 مليار ريال إضافة إلى 32 مليار ريال أخرى إلى نهاية السنة المالية الحالية لمواجهة كورونا. وكذلك صندوق (الوقف الصحي) الذي تلقى تبرعات قاربت المليار ريال، وهو يهدف إلى المساهمة في التنمية الصحية والمساعدة في توفير احتياجات المرضى من أجهزة وعلاج وتأهيل والإسهام في تمويل البرامج الوقائية والأبحاث الصحية.
واللافت أيضاً أن هناك 6 آلاف طبيب سعودي شاركوا في مواجهة كورونا وهم مبتعثون في 27 دولة، منهم: 1050 في كندا، و650 في ألمانيا، و350 في الولايات المتحدة، و250 في فرنسا.
ولقد أدت هذه الإجراءات الحازمة وتوقيتها المدروس إلى أن تكون حالة المملكة جيدة على مستوى العالم، وهذا ما أكدته (شركة ستراتيجك جيرز السعودية) في تقريرها المنشور في منتصف أبريل، مشيرة إلى أن عدد الحالات لكل مليون نسمة في المملكة يبلغ 80 حالة فقط، بينما يصل المتوسط العالمي لهذا المؤشر إلى 182 حالة لكل مليون نسمة.
تكاتف دولي تقوده المملكة
أكد خادم الحرمين الشريفين في كلمته خلال رئاسته الأعمال القمة الاستثنائية الافتراضية لقادة دول مجموعة العشرين التي عقدت بدعوة من المملكة لمناقشة سبل المضي قدمًا في تنسيق الجهود العالمية لمكافحة جائحة كورونا، أن هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة عالمية، وما يُعول العالم على قادة أكبر اقتصادات العالم، من التكاتف والعمل معاً لمواجهتها على الصعد الصحية والاقتصادية والتجارية، وما بادرت به المملكة من العمل مع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات المتخصصة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لاحتواء الجائحة وضمان سلامة الأفراد، مثمناً ما اتخذته الدول من الإجراءات الفعالة في هذا الصدد، ودعم المملكة الكامل لمنظمة الصحة العالمية في تنسيق الجهود الرامية إلى مكافحة هذه الجائحة.
وفي هذا الصدد أثنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لين أثناء رعايتها لمؤتمر دولي، عبر الدائرة المغلقة من بروكسل على جهود المملكة العربية السعودية الهادفة لمساعدة المجتمع الدولي على احتواء تداعيات كورونا المستجد وتنسيق الرد المناسب على الصعيد الدولي. وأوضحت المسؤولة الأوروبية «أنه علينا شكر المملكة العربية السعودية التي وضعت مسألة محاربة الفيروس على رأس أجندة دول مجموعة العشرين».
مبادرات تطوعية
أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حملة تطوعية صحية بعنوان «مجتمع واعٍ» ضمن سلسلة مبادرات «وطن العطاء»، وذلك بالتعاون مع وزارة الصحة، والهيئة العامة للأوقاف، ومجلس الجمعيات الأهلية، وعدد من الجمعيات الصحية حيث تنفذ هذه الحملة في مناطق المملكة كافة، بهدف توعية المجتمع والحد من انتشار فيروس كورونا.
وفي ذات السياق، استقطبت وزارة الصحة أكثر من 78 ألف متطوع ومتطوعة لمبادرة «الممارس الصحي مستعد»، وتسعى الوزارة لتأهيلهم وتدريبهم للاستفادة من خدماتهم عند الحاجة، كما شارك مركز التطوع الصحي في مبادرة «مجتمع واعٍ» لتفعيل التطوع الميداني بالتعاون مع الإدارة العامة للتطوع بوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ومجلس الجمعيات الأهلية، وبتنفيذ من الجمعيات الصحية المتخصصة، مثل «جمعية التطوع الصحية أثر».
وفي وزارة الإعلام أطلق مركز التواصل الحكومي مبادرة الهوية البصرية تحت عنوان «كلنا مسؤول» لتوحيد الرسالة الإعلامية للمجتمع بمؤسساته المختلفة وهذه المبادرات التطوعية لوزارتي الصحة والإعلام تصب في جانب التوعية والتثقيف المجتمعي الصحي.
كما أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي عن تأجيل البنوك المحلية السعودية أقساط ثلاثة أشهر للعاملين في المجال الصحي، ويستمر الحديث المبهج عن الجهود التطوعية التي تقوم بها الشركات في القطاع الخاص ورجال الأعمال والجمعيات الخيرية بشكل لا يمكن حصره سواء على شكل مبادرات تطوعية أو تطوع فردي لتقديم مساعدات معينة، كما قدمت إمارات المناطق المبادرات التطوعية لتقديم دعم ومساندة للجهود الحكومية المنفذة.
التطوع الإلكتروني عن بُعد
ويندرج تحت هذا المفهوم أيضاً ما أعلنته المنصة الوطنية للتدريب الإلكتروني «دروب» التابعة لصندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» عن تقديم دورات تدريبية تفاعلية للتعريف بطرق مكافحة جائحة كورونا، أما على صعيد التنمية المهنية وتطوير الذات ورفع مستوى الأداء التعليمي فقد تعاملت وزارة التعليم بمهنية وإنسانية عالية عن طريق فتح باب التطوع، وقد بادرت بعض الجامعات بإصدار أدلة للتطوع حددت فيها الأدوار المنتظرة لشباب وشابات الوطن لمواجهة هذه الجائحة، كما واصلت الجامعات ومراكز التدريب في بعض إدارات التعليم تقديم دورات تأهيلية ولقاءات متنوعة مجانية لمنسوبيها لتوحيد الجهود الوطنية في هذه الظروف الاستثنائية، وعلى صعيد المبادرات الخدمية والتسهيلات والإعانات، ففي 19 مارس أطلقت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مبادرة «كلنا عطاء»، والتي تقدم للطلاب ذوي الدخل المحدود لإكمال تعليمهم عن بُعد.
نجاح خطة موسم حج هذا العام
نجاح المملكة في استضافة ملايين من الحجاج سنويًا من أماكن مختلفة وبيئات متعددة، ومن مختلف الأعمار والجنسيات، أكبر دليل على الرعاية الصحية المميزة التي توفرها المملكة لحجاج بيت الله الحرام.
وفي هذا العام سمحت المملكة لأعداد محدودة بأداء فريضة الحج. وشمل فقط المقيمين في المملكة بسبب المخاوف من فيروس كورونا المستجدّ، في وقت يتواصل فيه تفشي الوباء في العالم، حيث ألغت بعض الدول الإسلامية بالفعل ومبكراً خطط مشاركة مواطنيها في الحج، فيما نقلت وكالة رويترز عن مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جبريسوس القول (الأربعاء 24 حزيران- يونيو 2020) إنه يدعم قرار السعودية بحظر دخول حجاج من الخارج لأداء مناسك الحج هذا العام بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
كما نجحت المملكة وأبهرت العالم بخطة حج هذا العام 1441هـ الاستثنائي بإقامة الحج بأعداد محدودة، وفحص جميع المشاركين في أداء فريضة الحج لهذا العام، وتوفير الإجراءات الوقائية والاحترازية كافة، والحرص على تحقيق التباعد الجسدي، وإخضاع جميع المشاركين للعزل المنزلي قبل بدء مناسك الحج وبعد الانتهاء منها، بالإضافة إلى توفير الخدمات الصحية اللازمة خلال أيام الحج، واشتراط 20 حاجاً كحد أعلى لكل باص، وتوفير مستشفيات ميدانية وعيادات متنقلة في المشاعر المقدسة وداخل مكة والمدينة، وتوفير أساور كورونا لجميع الحجاج لرصد العزل المنزلي قبل الحج وبعد الانتهاء منه، وتقديم خدمات الدعم والاستشارة من 937 بـ13 لغة، وتجهيز 140 متطوعاً صحياً لتوزيعهم على النقاط الرئيسة في الحج.
إشادات عالمية بجهود المملكة
هذه الجهود تعكس مستوى الرقي الحضاري الذي تتمتع به بلادنا على مستوى الحكومة والأفراد، والتي كانت موضع إشادة من كثير من الجهات الدولية سواء على مستوى الأفراد أو المنظمات، ومن ذلك إشادة مدير عام منظمة الصحية العالمية الدكتور (تيدروس أدهانوم) الذي قال: «أتقدم بخالص الشكر والتقدير للملك سلمان لقيادته وجهوده من أجل الحافظ على سلامة العالم والحد من انتشار فيروس كورونا المستجد».
وأضاف قائلاً: «هذا ما يعنيه مفهوم الصحة للجميع. شكرًا جزيلاً للملك سلمان لقيادتكم والتزامكم لضمان حصول الجميع على الخدمات الصحية اللازمة لمواجهة كورونا. أتمنى أن تحذو الدول الأخرى حذوكم». والسفير الألماني بالمملكة من جهته قال: لدينا 2500 ألماني يعيشون في المملكة ولم يعودوا إلى بلادهم بل هم سعيدون هنا. وأشاد بأن في ألمانيا 650 طبيبًا سعوديًا يعملون في المستشفيات ممتنين لهم ومدينين لهم».
وكذلك السفير الأمريكي بالمملكة جون أبي زيد قال مخاطباً الجالية الأمريكية في المملكة: «القرار قراركم ولكنني أنصحكم بالبقاء هنا فالإمدادات الغذائية هنا جيدة وجميع الخدمات متوافرة والنظام الصحي فعال وجيد».
ويقول الدكتور كيجي فوكوما مساعد مدير عام منظمة الصحة العالمية: «الإجراءات الصائبة التي اتخذتها الحكومة السعودية ممثلة في وزارة الصحة تجعلنا نقرر في منظمة الصحة العالمية ونتشجع للعمل اللصيق مع وزارة الصحة السعودية والاستفادة من تجربتها».
والبلجيكي (أوليفر بانهويس) كبير مستشاري التخطيط يقول: «السعودية لا تقتصر على الترحيب فقط بل يقدمون لكم العلاج مجانًا، ولا يوجد أي بلد فعل ذلك حتى بلدي بلجيكا».