مع أن العام 1343هـ قد شهد بداية التأسيس لمرفق القضاء في المملكة، بإعلان الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- تعيين أول قاض بمكة المكرمة، وما تلا ذلك من إنشاء أول وزارة للعدل عام 1390هـ، فإن العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -حفظهما الله- يشهد أكبر انطلاقة تطويرية شاملة للمرفق القضائي على مختلف المستويات التقنية والإجرائية والتنظيمية، وفق الخطط المرسومة لرؤية المملكة 2030 وبرامجها ومبادراتها الطموحة.
وتستهدف هذه المشروعات والمبادرات تطوير واختصار الإجراءات القضائية والتوثيقية وحوكمتها، وتقليص فترات التنفيذ، وتقليل مدد الفصل في المنازعات، وتحقيق الأمن العقاري، وتقديم خدمات عدلية متميزة، إضافة إلى التحوّل الرقمي الكامل لأعمال المرفق العدلي ورفع درجات الرقابة والمتابعة وقياس الأداء، والعناية بمستوى كفاءة الكوادر البشرية، إضافة إلى دعم البيئة الاستثمارية في المملكة، وتعزيز الاقتصاد الوطني، ورفع كفاءة إنفاذ حقوق الأسرة في قضايا الأحوال الشخصية، إضافة إلى نشر الثقافة العدلية وتفعيل التعاون الدولي.
القضاء المتخصص
أكملت وزارة العدل منظومة القضاء المتخصص، وذلك مع إطلاق المحاكم العمالية في مختلف مدن المملكة تفعيلاً لنظام القضاء بدءاً بنقل القضاء التجاري من القضاء الإداري إلى العام؛ ليكتمل بذلك عقد المحاكم المتخصصة في المملكة في عهد ملك الحزم والعدل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله ورعاهما-.
وهذا ما أكده معالي وزير العدل الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني لدى تدشينه المرحلة النهائية للمحاكم العمالية، مبيناً أن تجربة المحاكم المتخصصة كانت مميزة إذ تأتي في مرحلة مفصلية من تاريخ القضاء السعودي، تشهد فيها المنظومة تحولاً رقميًّا وإجرائيًّا ومؤسسيًّا، يواكب ما تشهده بلادنا من قفزات تنموية واقتصادية، تقف خلفها قيادة رشيدة، رفعت سقف التحدي لبناء وطن طموح، ينعم بالتطور والاستقرار والازدهار في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والعدلية، وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي باتت البلاد تعيش برامجها واقعًا ملموسًا وأرقامًا عالمية مبشرة -بحمد الله-. هذا وقد أتمت المحاكم العمالية -مؤخراً- هندسة إجراءاتها إلكترونياً بشكل كامل لضمان سرعة إجراءات التقاضي وجودة المخرجات، كما تم إطلاق الصك الإلكتروني في المحاكم العمالية وبلغت نسبة الإنجاز في هذه المحاكم وفقاً لآخر إحصائية 88 في المائة قضية منتهية ومنجزة من مجمل القضايا المرفوعة لتلك المحاكم.
لأول مرة
كما شهدت وزارة العدل للمرة الأولى في تاريخها توظيف عدد من النساء بمسمى «كاتب عدل» للعمل في كتابات العدل بمختلف مناطق المملكة. وباشرت الموظفات الجديدات في وزارة العدل اللاتي دخلن المجال للمرة الأولى في تاريخ الوزارة.
وضمن خطواتها التطويرية أطلقت وزارة العدل مشروع «المحكمة النموذجية» بهدف ترسيخ البناء المؤسسي للقضاء عبر تطبيق السياسات الإدارية والأنظمة العدلية، والمبادرات التحولية، والبرامج التشغيلية المرتبطة بالمؤشرات، بما يسهم في تطبيق المشروع بشكله النموذجي على بقية محاكم المملكة، في الوقت الذي اعتمد وزير العدل القواعد الجديدة للمصالحة، وذلك ضمن مبادرة تفعيل منظومة المصالحة، إحدى مبادرات وزارة العدل في برنامج التحول الوطني 2020؛ والهادفة إلى جعل المصالحة والوساطة خياراً لحل النزاعات.
وقد أسهم هذا البرنامج في عامه الأول في خفض حالات إثبات الطلاق بنسبة 22 في المائة وذلك ضمن جهود الوزارة في تنظيم دعاوى الفرقة الأسرية ومعالجتها بالصلح أو القضاء خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً. كما تم إنشاء مراكز متخصصة تهدف إلى توفير بيئة ملائمة للعائلة، عبر مبادرة «شمل» التي أطلقتها الوزارة بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني المختصة، وذلك سعياً منها إلى تنفيذ أحكام الحضانة والرؤية والزيارة على نحو أكثر جودة وإرضاء للمستفيدين.
وأعلنت الوزارة شروعها في تهيئة 47 مركزًا لتنفيذ أحكام الرؤية والحضانة، في 11 منطقة، بالتعاون مع عدد من الجمعيات الخيرية في القطاع الثالث غير الربحي لينضم بذلك إلى برنامج صندوق النفقة ومبادراته الاجتماعية والإنسانية.
أفضل اتصال حكومي
وقد أسهمت الإصلاحات التي اتخذتها وزارة العدل عبر خطواتها التطويرية في تقدم المملكة في مؤشر إنفاذ العقود، مرتفعاً من المرتبة 59 إلى المرتبة 51 عالمياً، جاء ذلك في تقرير سهولة ممارسة الأعمال، الذي صدر خلال العام المنصرم عن مجموعة البنك الدولي والذي ينشر في شهر أكتوبر من كل عام، حيث تقدمت المملكة هذا العام في 4 مؤشرات مرتبطة بتقرير ممارسة الأعمال، وهي «مؤشر حماية أقلية المستثمرين، مؤشر إنفاذ العقود، مؤشر استخراج تراخيص البناء، ومؤشر التجارة عبر الحدود».
كما حققت الوزارة أيضاً جائزة حكومة الشارقة للاتصال الحكومي في فئة «أفضل اتصال حكومي» على مستوى العالم العربي وذلك لتميز استراتيجيتها الفاعلة في التواصل مع جمهورها المستهدف.
ناجز أيقونة المرحلة
وقد تمكنت وزارة العدل خلال العام الحالي الذي شهد تطبيق إجراءات العمل عن بُعد لأول مرة بالمملكة خلال فترة تعليق العمل في المقرات الحكومية بسبب جائحة «كورونا»، من تجاوز أي تأثر في وتيرة العمل العدلي، حيث استمر العمل عن بُعد إلكترونياً بنفس الوتيرة والجودة، ما وفر الجهد والوقت على المستفيدين، وفي نفس الوقت المحافظة على صحتهم وسلامتهم.
وبحسب مؤشرات وزارة العدل بلغ جمالي الجلسات القضائية المنعقدة خلال هذا العام الاستثنائي 1.9 مليون جلسة، فيما أصدرت المحاكم أكثر من 750 ألف حكم. كما تمكنت محاكم ودوائر التنفيذ من استقبال أكثر من 600 ألف طلب، بقيمة 133 مليار ريال، فيما بلغ إجمالي القرارات الصادرة مليون قرار، مقابل 2.4 مليون إجراء تنفيذي.
وفي قطاع التوثيق، بلغ إجمالي العمليات هذا العام نحو 4 ملايين عملية، توزعت بين مليوني عملية على الوكالات والإقرارات، 450 ألف عملية لفسخ الوكالات، فيما بلغ إجمالي عمليات توثيق العقار 1.5 مليون عملية.
وقدمت بوابة ناجز الإلكترونية najiz.sa دوراً كبيراً في خدمة المستفيدين خلال الجائحة، ما جعلها أيقونة للمرحلة، حيث أتاحت للمستفيدين 120 خدمة عدلية، يمكن إجراؤها عن بُعد بكل يسر وسهولة، في جميع القطاعات، القضاء، التنفيذ، التوثيق، حيث استفاد من خدماتها 2.2 مليون مستفيد.
كما أطلقت «العدل» العديد من الخدمات الإلكترونية مثل: خدمة المصادقة عن بُعد لمحضر الضبط للقاضي والأطراف، الصك الإلكتروني، تبادل المذكرات القضائية، إصدار الوكالات من خلال بوابة ناجز، منصة تراضي الرقمية، برامج تدريب عن بُعد، التراخيص العدلية، نقل ملكية العقار بتفعيل البيع والشراء إلكترونياً، التقاضي الإلكتروني واعتماد دليلها الإجرائي، المواعيد الإلكترونية للخدمات غير المتوافرة على بوابة ناجز، خدمات التوثيق عبر خاصية الاتصال المرئي.
وشهدت وزارة العدل إطلاق العديد من المشاريع التي ترتقي بمستوى وجودة الخدمات العدلية، من أهمها مركز العمليات العدلي، الذي يشكل خطوة جديدة من جانب الوزارة لدعم منظومة العمل العدلي، وضمان جودة الأداء والشفافية، حيث يهدف إلى متابعة أعمال المحاكم وكتابات العدل وقطاعات الوزارة بشكل رقمي كامل، بما يرفع من مستوى الإنجاز ودقة المتابعة اليومية والتشغيلية والاستراتيجية، إضافة إلى تطوير الخدمات العدلية وتقديم الاستجابة السريعة بما يخدم المستفيدين.
وقد أدت نتائج المرحلة الأولى من تشغيل المركز إلى تطور وتحسن في مؤشرات الأداء، مثل: مؤشر نسبة قرارات التنفيذ المعتمدة الذي ارتفع من 80 في المائة إلى 95 في المائة من القرارات، وانخفضت مدة إنجاز الوكالة في كتابات العدل من 14.55 دقيقة إلى 10.42 دقيقة فقط، بينما قُلّص معدل متوسط إغلاق القضايا غير المنتهية في المحاكم الجزائية من 72 إلى 59، كما ارتفع معدل نسبة الإنجاز في محاكم التنفيذ من 38 في المائة إلى 47 في المائة، وفي محاكم الأحوال الشخصيّة ارتفعت نسبة الإنجاز من 47 في المائة إلى 59 في المائة.
كما أسهم مركز العمليات العدلي في تقليص مدة إنفاذ القرارات في محاكم التنفيذ من 5 أيام إلى 3 أيام فقط، حيث تعكس هذه المؤشرات الأثر الفعلي لمركز العمليات العدلي ودوره في تطوير سير العمل في المحاكم.
التنفيذ والتوثيق
ونتيجة للخطوات التطويرية التي شهدها قطاع التنفيذ بالوزارة فقد ارتفعت نسبة الطلبات المنجزة من الطلبات المقيدة لتصل إلى (98.8 في المائة). كما بلغت عمليات السداد الإلكتروني المنفذة (30.509) عملية. وجرت إتاحة خدمتي الاستعلام عن طلب تنفيذ، والاستعلام عن طلبات تنفيذ برقم هوية عبر البوابة الإلكترونية والتطبيق على الأجهزة الذكية بهدف التسهيل على المستفيدين وعدم حاجتهم للحضور إلى محاكم التنفيذ من أجل التأكد من حالة الطلبات. وأطلقت خدمات الاستعلام عن الودائع والديون والحسابات والأرصدة بشكل لحظي بالتعاون مع مؤسسة النقد في جميع الدوائر القضائية في محكمة التنفيذ بالرياض.
التحول الرقمي
وضمن خطواتها التطويرية أطلقت وزارة العدل وكالة التحول الرقمي وتقنية المعلومات وتمكين رقمنة أعمال الوزارة من خلال ثلاثة مسارات رئيسة، وهي (التميز التشغيلي -التمكين والحوكمة الرقمية- تميز الأعمال المؤسسي). وذلك من خلال إنشاء مركز التشغيل الذكي الذي يمكّن الوزارة من تشغيل ومراقبة الأداء لجميع الأنظمة العدلية.
وربط جميع المحاكم الجزائية بمحاكم الاستئناف إلكترونياً، وتشغيل نظام مراسلات في جميع كتابات العدل وفروع الوزارة، وتشمل خطة العمل تشغيل النظام في المحاكم، ونقل أرشفة الثروة العقارية للنظام الجديد. وكذلك تجهيز وبناء وتشغيل البنية التقنية لمنصة القضاء المتكامل (الاستئناف)، ومنصة بوابة ناجز، ومنصة تراض، إضافة إلى تجهيز وتشغيل قاعات المحاكمات عن بُعد بالسجون وربطها بمركز المعلومات العدليّ.
رفع التصنيف العالمي
وهي إحدى مبادرات وزارة العدل ضمن برنامج التحول الوطني الذي أنجزته الوزارة بكل اقتدار، والهادف إلى تطوير مختلف الإجراءات واللوائح الداخلية الخاصة بالوزارة ذات العلاقة المباشرة بالتصنيف العالمي للمملكة في مجال المنظومة العدلية، حيث تقدمت المملكة عالمياً في تقرير التنافسية لعام 2019م الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي- دافوس في جنيف في عدة مؤشرات عدلية وقفزت في ثلاثة مؤشرات، وهي:
- مؤشر كفاءة الإطار القانوني للطعن في اللوائح بـ11 مركزًا وأصبحت بالمركز الـ18 عالمياً.
- مؤشر الاستقلال القضائي بـ8 مراكز، وأصبحت في المرتبة الـ16 عالمياً.
- مؤشر كفاءة الإطار القانوني لتسوية النزاعات بـ4 مراكز وأصبحت بالمرتبة الـ17 عالمياً.