رسمت المملكة العربية السعودية بتوجيهات قيادتها الرشيدة خارطة طريق نحو تنمية وطنية مستقبلية شاملة ومتكاملة، واختطت لها مسارًا نهضويًا طموحًا تمثل في المشروع الوطني «رؤية المملكة 2030».
ويحظى هذا المشروع التنموي الطموح بإشراف مباشر ومتابعة دائمة ومستمرة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حيث قال سموه في كلمة بمناسبة إطلاق الرؤية: «إننا لنحمد الله سبحانه وتعالى أولاً على ما وفقنا إليه في هذا الوطن من التمسك بالكتاب الكريم والسنة المطهرة، ثم نحمده على أن مكننا من إعداد (رؤية المملكة العربية السعودية للعام 2030)». وأكد سموه أن قصص النجاح دائمًا ما تبدأ برؤية، وقال: «إن أنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة.. ولقد حبانا الله سبحانه وطنًا مباركًا، فيه الحرمان الشريفان، أطهر بقاع الأرض، وقبلة أكثر من مليار مسلم، وهذا هو عمقنا العربي والإسلامي وهو عامل نجاحنا الأول»، مشيرًا سموه إلى أن بلادنا تمتلك قدرات استثمارية ضخمة، وسنسعى إلى أن تكون محركًا لاقتصادنا وموردًا إضافيًا لبلادنا، وهذا هو عامل نجاحنا الثاني. وركز سموه في تصريحه على ما يمتاز به الموقع الجغرافي للمملكة العربية السعودية، فهي أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، عادًا سموه ذلك عامل نجاح ثالث. وقال سمو ولي العهد: «هذه العوامل الثلاثة هي مرتكزات رؤيتنا التي نستشرف آفاقها، ونرسم ملامحها معًا». وتطرق سمو الأمير محمد بن سلمان إلى أهمية ما يمتلكه وطننا من وفرة في بدائل الطاقة المتجددة، وما يزخر به من ثروات سخية من الذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها، مشددًا - رعاه الله - على ما هو أهم من الثروات الطبيعية وهي ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله.
وتعتمد الرؤية (1452هـ/ 2030م) على ثلاثة محاور، هي: المجتمع الحيوي والاقتصاد المزدهر والوطن الطموح، وهذه المحاور تتكامل وتتّسق مع بعضها في سبيل تحقيق الأهداف وتعظيم الاستفادة من مرتكزات هذه الرؤية. تبدأ الرؤية من «المجتمع»، وإليه تنتهي، ويمثّل المحور الأول أساسًا لتحقيقها وتأسيس قاعدة صلبة لازدهارنا الاقتصادي. ينبثق هذا المحور من إيماننا بأهمية بناء مجتمع حيوي، ويعيش أفراده وفق المبادئ الإسلامية ومنهج الوسطية والاعتدال، معتزّين بهويتهم الوطنية وفخورين بإرثهم الثقافي العريق، في بيئة إيجابية وجاذبة، تتوافر فيها مقوّمات جودة الحياة للمواطنين والمقيمين، ويسندهم بنيان أسري متين ومنظومتي رعاية صحية واجتماعية ممكّنة. وفي المحور الثاني «الاقتصاد المزدهر»، ويركز على توفير الفرص للجميع، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وتنمية الفرص للجميع من روّاد الأعمال والمنشآت الصغيرة إلى الشركات الكبرى. تؤمن بتطوير أدواتنا الاستثمارية، لإطلاق إمكانات قطاعاتنا الاقتصادية الواعدة وتنويع الاقتصاد وتوليد فرص العمل للمواطنين. وإدراك دور التنافسية في رفع جودة الخدمات والتنمية الاقتصادية، إذ تركز الجهود على تخصيص الخدمات الحكومية وتحسين بيئة الأعمال، بما يسهم في استقطاب أفضل الكفاءات العالميّة والاستثمارات النوعيّة، وصولًا إلى استغلال موقع المملكة الإستراتيجي الفريد. ولأن الفاعلية والمسؤولية مفهومان جوهريان تسعى الرؤية إلى تطبيقهما على جميع المستويات لنكون وطنًا طموحًا بإنتاجه ومنجزاته. ولذلك، ركز المحور الثالث من الرؤية على القطاع العام، عبر رسم ملامح الحكومة الفاعلة من خلال تعزيز الكفاءة والشفافية والمساءلة وتشجيع ثقافة الأداء لتمكين مواردنا وطاقاتنا البشرية، وتهيئة البيئة اللازمة للمواطنين وقطاع الأعمال والقطاع غير الربحي لتحمل مسؤولياتهم وأخذ زمام المبادرة في مواجهة التحديّات واقتناص الفرص. وتتطلع المملكة في ظل هذا المشروع الواعد إلى مستقبل أكثر إشراقًا - بعون الله - بثرواتها البشرية والطبيعية والمكتسبة التي أنعم الله بها عليها، ويتجلى ذلك بمضاعفة دورها وزيادة إسهامها في صناعة هذا المستقبل.
ومن ملامح هذه الرؤية المستقبلية بذل المملكة أقصى جهودها لمنح معظم المسلمين في أنحاء العالم فرصة زيارة قبلتهم ومهوى أفئدتهم. حيث تسعى المملكة العربية السعودية التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين وحجاج بيت الله الحرام والمعتمرين والزوار إلى تسخّير كافة طاقاتها وإمكاناتها لخدمة ضيوف الرّحمن.. وقد تبوأت هذه البلاد مكانةً مرموقةً في العالم، وأصبحت عنوانًا لكرم الضيافة وحسن الوفادة، واستطاعت أن تحقق مكانةً مميزةً في قلوب ضيوف الرحمن والمسلمين في كلّ مكان. وفي هذا السياق، قامت الحكومة الرشيدة أخيرًا بتنفيذ توسعة ثالثة للحرمين الشريفين، وتطوير المطارات وزيادة طاقتها الاستيعابية، كما أطلقت مشروع «مترو مكة المكرمة»، استكمالًا لمشروع قطار المشاعر المقدسة وقطار الحرمين. إضافة إلى ذلك، تعزيز منظومة شبكة النقل من أجل تسهيل الوصول إلى الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتمكين ضيوف الرحمن من أداء فريضة الحج والعمرة والزيارة بكل يسر وسهولة، وبفضل الله تضاعف عدد المعتمرين من خارج المملكة (3) مرات خلال العقد الماضي حتى بلغ (8) ملايين معتمر. ويتوقع في ظل (رؤية 2030) زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من (8) ملايين إلى (30) مليون معتمر. ولا تدخر المملكة وسعًا في بذل كل جهد وتوفير كل ما يلبي احتياجات ضيوف الرحمن ويحقق تطلعاتهم، كما تعمل على إثراء رحلتهم الدينية وتجربتهم الثقافية من خلال التوسع في إنشاء المتاحف وتهيئة المواقع السياحية والتاريخية والثقافية وتنظيم زيارتها. كما أن (رؤية المملكة 2030) أدخلت على قطاع الحج والعمرة تطورات غير مسبوقة من خلال تطبيق منهجية جديدة، أساسها الانتقال من ثقافة العمل الموسمي إلى ثقافة العمل على مدار العام.
مشروع نيوم
كما أن إطلاق مشروع «نيوم»NEOM يعد خطوة تنموية اقتصادية تجسد الرؤية الحكيمة والثاقبة للقيادة في المملكة العربية السعودية لاستشراف المستقبل من أجل بناء الإنسان وتطوير وتنمية المكان، كأحد أهداف (رؤية المملكة 2030) التي تستشرف المستقبل وتمثل قفزة مهمة في مفهوم التنمية والتحول الاقتصادي في السعي نحو آفاق أرحب وأشمل في التنوع في الموارد وإيجاد الفرص الاستثمارية من أجل تحقيق تنمية شاملة. ويهدف المشروع إلى جعل المملكة أنموذجًا رائدًا في مختلف المجالات التنموية كافة ويعزز مكانتها الاقتصادية ويجعلها في مصاف الدول المتقدمة اقتصاديًا على مستوى العالم. وقد أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة في 4 صفر 1439ه الموافق 24 أكتوبر 2017م عن إطلاق مشروع (نيوم) الذي يأتي في إطار التطلعات الطموحة لرؤية (2030) بتحول المملكة إلى نموذج عالمي رائد، في مختلف جوانب الحياة، من خلال التركيز على استجلاب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية داخل المشروع. وصرَّح سموه خلال إعلانه عن المشروع أن: «منطقة «نيوم» ستركز على تسعة قطاعات استثمارية متخصصة تستهدف مستقبل الحضارة الإنسانية، وهي مستقبل الطاقة والمياه، ومستقبل التنقل، ومستقبل التقنيات الحيوية، ومستقبل الغذاء، ومستقبل العلوم التقنية والرقمية، ومستقبل التصنيع المتطور، ومستقبل الإعلام والإنتاج الإعلامي، ومستقبل الترفيه، ومستقبل المعيشة الذي يمثل الركيزة الأساسية لباقي القطاعات، وذلك بهدف تحفيز النمو والتنوع الاقتصادي، وتمكين عمليات التصنيع، وابتكار وتحريك الصناعة المحلية على مستوى عالمي وكل ذلك سيؤدي إلى إيجاد فرص عمل والإسهام في زيادة إجمالي الناتج المحلي للمملكة. وسيعمل مشروع «نيوم» على جذب الاستثمارات الخاصة والاستثمارات والشراكات الحكومية. كما سيتم دعم «نيوم» بأكثر من 500 مليار دولار خلال الأعوام القادمة من قبل المملكة - صندوق الاستثمارات العامة -، إضافة إلى المستثمرين المحليين والعالميين. وتمتاز منطقة المشروع بخصائص مهمة، أبرزها الموقع الإستراتيجي الذي يتيح لها أن تكون نقطة التقاء تجمع أفضل ما في المنطقة العربية، وآسيا، وإفريقيا، وأوروبا وأمريكا. وتقع المنطقة شمال غرب المملكة، على مساحة 26.500 كم2، وتطل من الشمال والغرب على البحر الأحمر وخليج العقبة بطول468 كم، ويحيط بها من الشرق جبال بارتفاع 2.500 متر. يضاف إلى ذلك النسيم العليل الذي يسهم في اعتدال درجات الحرارة فيها كما ستتيح الشمس والرياح لمنطقة المشروع الاعتماد الكامل على الطاقة البديلة. ومن الأساسات التي يقوم عليها مشروع «نيوم» إطلالته على ساحل البحر الأحمر، الذي يعد الشريان الاقتصادي الأبرز، الذي تمرُّ عبره قرابة 10% من حركة التجارة العالمية، إضافة إلى أن الموقع يعد محورًا يربط القارات الثلاث؛ آسيا وأوروبا وإفريقيا، إذ يمكن ل70% من سكان العالم الوصول للموقع خلال 8 ساعات كحد أقصى، وهذا ما يتيح إمكانية جمع أفضل ما تزخر به مناطق العالم الرئيسة على صعيد المعرفة، والتقنية، والأبحاث، والتعليم، والمعيشة، والعمل، كما سيكون الموقع المدخل الرئيس لجسر الملك سلمان الذي سيربط بين آسيا وإفريقيا، مما يعزز من مكانته وأهميته الاقتصادية. وسيشتمل مشروع «نيوم» على أراض داخل الحدود المصرية والأردنية، حيث سيكون أول منطقة خاصة ممتدة بين ثلاث دول. كما أن عنصر التمويل والقدرة المالية هو أحد أهم مقومات المشروع الذي سيعتمد على الاقتصاد السعودي بشكل رئيس، ويقف خلفه صندوق الاستثمارات العامة، الذي تحول أخيرًا إلى صندوق عالمي رئيس بإمكانات استثمارية ضخمة، والوصول لشبكة واسعة من المستثمرين وكبرى الشركات في مختلف أنحاء العالم، التي سيتم توظيفها لإنجاح المشروع. وسيكون مشروع «نيوم» بمنزلة نقطة ربط للمحاور الاقتصادية، مما يجذب رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية إليه، وبالتالي حصول الصندوق على المدى الطويل على عوائد ضخمة ستسهم في تعزيز اقتصاد المملكة العربية السعودية وتحقيق أرباح عالية للمستثمرين. كما سيحد المشروع من تسرب الأموال لخارج المملكة، ويهدف إلى أن يكون أحد أهم العواصم الاقتصادية والعلمية العالمية. ويأتي استقطاب المستثمرين العالميين إلى المنطقة وإشراكهم في تطويرها وتنميتها وبنائها، أحد المُمكّنات الرئيسة لنجاح هذا المشروع وأهم عناصره الجاذبة التي تساعدهم على النمو والازدهار في أعمالهم. يؤكد ذلك المرونة العالية لصياغة الأنظمة والتشريعات من قبل المستثمرين، التي تعزز الابتكار التقني والمجتمعي وفق أفضل الممارسات العالمية.
القدية وجهة ترفيهية وثقافية
تكمن رؤية مشروع القدية في تحويله إلى وجهة ترفيهية وثقافية ورياضية وحضارية جديدة في المملكة، وسيتم إنشاؤه غرب العاصمة السعودية الرياض، وسيكون مقرًا حيويًا للنشاطات والاستكشاف والتفاعل الاجتماعي في المملكة العربية السعودية. ويحظى المشروع الذي وضع حجر الأساس له خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في 12 شعبان 1439 هـ بدعم صندوق الاستثمارات العامة، حيث سيتم تنفيذه على مسافة تبلغ 40 كيلومترًا من وسط العاصمة الرياض، بمساحة إجمالية قدرها 334 كيلومترًا مربعًا. ومن الأهداف الرئيسة لمشروع القدية الذي يتزامن تنفيذه مع خطة و(رؤية المملكة 2030) هو بناء مستقبل مشرق عبر مجموعة من الأنشطة الرياضية الترفيهية والعروض الثقافية ضمن مرافق ومنشآت جديدة متطورة، تلبي احتياجات الجميع، من المتنزهات الترفيهية إلى مدن الألعاب وميادين السباقات ورحلات السفاري. والمشروع يقوم على خمس دعائم رئيسة، هي: الحدائق ووجهات الجذب، والحركة والتنقل، والطبيعة والبيئة، والرياضة والصحة، والثقافة والفنون والتعليم، كما أن المشروع تدعمه سلسلة من المتاجر، ومرافق السكن والضيافة، ما سيمثل وجهة ترفيهية متكاملة كبرى.
الرياض ضمن أفضل 100 مدينة للعيش
ويمثل هذا المشروع أحد مبادرات (رؤية المملكة 2030) الرامية إلى الارتقاء بالعاصمة الرياض لتصبح واحدة ضمن أفضل 100 مدينة للعيش على مستوى العالم - بمشيئة الله -. وتسعى الدولة إلى أعطاء دور أكبر للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث تسهم تلك المنشآت بنسبة لا تتعدى (20%) من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالنسبة التي حققتها الاقتصادات المتقدمة التي تصل إلى (70%). وعلى الرغم من الجهود المبذولة للارتقاء بمستوى بيئة الأعمال، إلا أن المنشآت الصغيرة في المملكة لا تزال تعاني من تعقيد في الإجراءات النظامية والإدارية وبطئها، وضعف القدرة على جذب الكفاءات، وصعوبة في الحصول على التمويل، إذ لا تتعدى نسبة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة (5%) من التمويل الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بالمعدلات العالمية، وستتم مساعدة تلك المنشآت في الحصول على التمويل وحث مؤسساتنا المالية على زيادة تلك النسبة إلى (20%) بحلول عام (1452هـ 2030م) بعون الله. وتسعى الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة - المنشأة حديثًا - إلى مراجعة الأنظمة واللوائح، وإزالة العوائق، وتسهيل الحصول على التمويل، ومساعدة الشباب والمبدعين في تسويق أفكارهم ومنتجاتهم. وإنشاء المزيد من حاضنات الأعمال ومؤسسات التدريب وصناديق رأس المال الجريء المتخصصة لمساعدة رواد الأعمال على تطوير مهاراتهم وابتكاراتهم، كما سنساعد المنشآت الوطنية الصغيرة على تصدير منتجاتها وخدماتها وتسويقها عن طريق دعم التسويق الإلكتروني والتنسيق مع الجهات الدولية ذات العلاقة.
ومن الأهداف بحلول (1452هـ 2030م) تخفيض معدل البطالة إلى (7%)، وارتفاع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي من (20%) إلى (35%)، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من (22%) إلى (30%). إن تنويع الاقتصاد من أهم مقومات استدامته، ورغم أن النفط والغاز يمثلان دعامة أساسية لاقتصادنا، إلا أن البدء في التوسع في الاستثمار في قطاعات إضافية، فقد بلغ متوسط نمو الاقتصاد السعودي خلال الـ (25) سنة الماضية أكثر من (4%) سنويًا، مما أسهم في توفير ملايين الوظائف، وتعدّ المملكة بفضل الله من أقوى (20) اقتصادًا على مستوى العالم، إلا أن طموحنا أكبر، والسعي إلى أن نتبوأ مكانةً أكثر تقدمًا بحلول عام (1452هـ 2030م)، بالرغم من التباطؤ الاقتصادي العالمي والأثر المتوّقع من الإصلاحات الهيكلية في اقتصادنا خلال السنوات القليلة القادمة. وهذا سيتطلب منا الاستفادة من مواردنا واستثمارها من أجل تنويع الاقتصاد، وإطلاق إمكانات قطاعاتنا الاقتصادية الواعدة، وتخصيص عدد من الخدمات الحكومية.
الاستثمار في الشركات العالمية
تتلخص رؤية المملكة في الاستفادة من القدرات الاستثمارية بفاعلية والاستثمار في الشركات العالمية الكبرى وشركات التقنية الناشئة من جميع أنحاء العالم، لنصبح - بإذن الله - روادًا في إدارة الأصول والتمويل والاستثمار. ويتطلب هذا الدور بناء سوق مالية متقدمة ومنفتحة على العالم، بما يتيح فرص تمويل أكبر وينشّط الدورة الاقتصادية والاستثمارية من خلال طرح أسهم الشركات السعودية، وإدراج بعض الشركات المملوكة للدولة في السوق المالية، ومنها أرامكو، وتسهيل سبل الاستثمار والتداول. وهذا سيتطلّب تعميق أسواق المال، وتعزيز دور سوق الدّين، وفتح المجال أمام سوق المشتقات. ومن خلال هذه الرؤية المباركة (2030) فإنها ستدعم القطاعات الواعدة لتكون دعامة جديدة لاقتصادنا. ففي قطاع التصنيع، سيجرى العمل على توطين قطاعات الطاقة المتجددة والمعدات الصناعية. وفي قطاع السياحة والترفيه، تطوير مواقع سياحية وفق أعلى المعايير العالمية، وتيسير إجراءات إصدار التأشيرات للزوار، وتهيئة المواقع التاريخية والتراثية وتطويرها. أما في قطاع تقنية المعلومات، فستعمل على تعزيز الاستثمار في الاقتصاد الرقمي وصولًا لمكانة متقدمة في هذا القطاع. في حين أن قطاع التعدين، يتطلب تشجيع التنقيب عن الثروات المعدنية والاستفادة منها، والاستمرار في توطين قطاع النفط والغاز، والعمل على مضاعفة إنتاج الغاز وإنشاء شبكة وطنية للتوسع في أنشطة توزيعه، وبناء مدينة لصناعة الطاقة. والعمل على توظيف ريادتنا العالمية وخبراتنا التي اكتسبناها في قطاعي النفط والبتروكيماويات واستثمارها في تنمية قطاعات أخرى مكملة وتطويرها. وتتمتع المملكة بعدد من المزايا التي توظفها في تنويع مصادر الدخل وفقًا لرؤية المملكة (2030) ولذلك شرعت المملكة في الاستثمار الأمثل في مجال الطاقة المتجددة وذات العوائد الجيدة وبدون مخاطر بيئية مستقبلية..
النقل حراك تطويري شامل
وتشهد منظومة النقل في المملكة حراكًا تطويريًّا شاملاً ونقلة نوعية بجميع خدماتها وقطاعاتها، مسخرةً ذلك لخدمة المواطن والمقيم, من خلال مشاريع بنية تحتية جبارة ومشاريع تنموية استثمارية مهمة ضمن الإستراتيجية الوطنية للنقل 2030، التي تسعى لتحقيق رؤية المملكة 2030 لتكون مركزًا لوجستيًا عالميًا يعتمد بشكل رئيس على النقل بقطاعاته المختلفة. وتحقيقًا لهذه الغاية، عملت وزارة النقل على التسريع بتفعيل مجموعة من المبادرات بما يتوافق مع تطلعات القيادة الرشيدة لتحقيق مكانة متميزة للمملكة، وتحقيق الرفاهية والعيش الكريم لأبنائها، حيث تحققت إنجازات عدة اتسمت بالشمولية والتكامل لمنظومة النقل، وارتبطت بتحقيق أهداف (رؤية المملكة 2030). ففي مجال الطرق وتنظيم قطاع النقل، أعدت الوزارة إستراتيجية متكاملة لقطاع النقل والهيكل الإداري المنظم له، إضافة إلى تفعيل عدد من مبادرات السلامة على الطرق لخفض وفيات الحوادث من خلال مجموعة من الإجراءات بتطبيق ورفع عوامل السلامة في مختلف طرق المملكة، والمبادرة أيضًا بتخفيض تكلفة دورة حياة الطرق وتحسين الأداء من خلال الاستفادة القصوى للبنية التحتية المتاحة والبدء في دراسة مجموعة من المشاريع الهادفة إلى تحقيق إيرادات من أصول الطرق, كما يشمل إعداد برامج الخصخصة من خلال تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص في بناء وتشغيل وصيانة الطرق بطرق علمية والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال. وفي مجال إدارة وصيانة الطرق، قفز مجموع أطوال مسارات الطرق بالمملكة التي يتم عمل مسح وتقييم وتحديد نمط المعالجة المثلى لها إلى 315 ألف كم، تنوعت ما بين طرق سريعة ومزدوجة ومفردة، شيّدت وفق أحدث المقاييس والمواصفات العالمية، كما قامت وزارة النقل بهدف تسريع وتيرة التحول الإلكتروني لجميع الخدمات ولتحقيق مبدأ الرقابة وتحسين الأداء عبر المشاركة المجتمعية، بتدشين تطبيق البلاغات «طرق» الذي يُعد إحدى الخطوات الحثيثة التي تعمل عليها الوزارة نحو التحول الرقمي وللارتقاء بمستوى الأداء للطرق من خلال فتح قنوات اتصال فاعلة مع المواطنين والمقيمين.
سار من أهم الإنجازات
وتعد الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار SAR) من أهم الإنجازات التي تحققت في مجال الخطوط الحديدية، حيث تم توحيد ملكية البنية التحتية بين مدن المملكة تحت مظلة الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار- SAR)، وذلك للإسهام في تسريع اتخاذ القرار بما يتوافق مع أهداف رؤية المملكة 2030. يذكر أن سكة حديد قطار الشمال تربط 6 مدن ببعضها البعض (الرياض - المجمعة - القصيم - حائل - الجوف - والقريات).
وفي مجال التخطيط والتطوير تعمل هيئة النقل العام في إطار سعيها للتطوير على تنفيذ مبادرتها لتفعيل برنامج سياسات متكامل لاستخدام النقل العام. ويرتكز مجال عمل المبادرة على إعداد الدراسات والسياسات التنظيمية لقطاع النقل وتطوير الأنظمة واللوائح المنظمة للقطاع، ووضع الاشتراطات والمواصفات القياسية لجميع وسائل النقل ووسائطه، وإعداد مخططات شبكات النقل العام لعدد من مدن المملكة، التي من شأنها توفير بيئة نقل آمنة ومتكاملة ومستدامة ذات كفاءة وجودة عالية، بما يحقق خدمة تليق بتطلعات المملكة وشعبها الكريم، وبما يتماشى و(رؤية المملكة 2030م).
وفي قطاع النقل الجوي انطوت خطة الهيئة العامة للطيران المدني على عدد من البرامج والمشاريع ضمن «برنامج (التحول الوطني 2020) مستهدفة تطوير منظومة النقل الجوي في المملكة، لتؤدي دورَها بفاعلية أكبر، حيث تمضي الهيئة قدمًا في تنفيذ تلك الخطة التي ترتكز على تطوير البنى التحتية للمطارات ومرافقها، والتوسع في بناء وتطوير المطارات، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص بما يسهمُ في الارتقاء بالخدمات التي تقدمها مطارات المملكة لروادها من مواطنين ومقيمين وزوار وضيوف، وتحقيق الاستغلال الأمثل للمطارات، وتوفير المزيد من الفرص المتعلقة بالخدمات اللوجستية مستفيدة من الموقع الإستراتيجي المتميز للمملكة بشكل عام، وللمطارات السعودية على وجه الخصوص، مما سيعزز الاستفادة من حجم التجارة الكبير الذي يمرُ من خلال المعابر والمنافذ الرئيسة في المملكة، وهو الأمر الذي سيمثل مشاركة الهيئة العامة للطيران المدني في بناء منصة لوجستية في المملكة تربط بين القارات الثلاث. وتستهدف الخطة أن يعتمد قطاع الطيران المدني على موارده الذاتية، دون الحاجة إلى الاعتماد على ميزانية الدولة في غضون سنوات معدودة، وسيلعب البرنامجُ التنفيذيُ لخصخصة الوحدات الاستثمارية بالهيئة ومشاريع الشراكة مع القطاع الخاص دورًا رئيسًا في الجهود الرامية إلى تحقيق هذا الهدف - بإذن الله - تعالى، وجاءت خطة الهيئة وإنجازاتها متوافقة مع رؤية المملكة 2030، إذ تركزت على الاهتمام بملايين الزوار والمعتمرين والحجاج الذين يقصدون الحرمين الشريفين عبر مطارات المملكة.
ومكنت الإرادة السياسية ورؤية المملكة 2030 المرأة السعودية من المشاركة في اتخاذ القرار، وتبوء مراكز قيادية في القطاعين العام والخاص، كما أسهمت في زيادة فرص عملها ومشاركتها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فعندما أطلقت (رؤية 2030)، كانت موجهة للجميع على مستوى البرامج والمبادرات، ومنها برامج دعم وتمكين المرأة. والمرأة السعودية تعد عنصرًا مهمًّا، إذ تشكل ما يزيد على (50%) من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين. والعمل على تنمية مواهبها واستثمار طاقاتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في تنمية مجتمعنا واقتصادنا. كما أن القرار التاريخي للسماح للمرأة بقيادة السيارة يمكنها من المشاركة الاجتماعية والتنموية، ويعطي مساحة طبيعية في مرافق الحياة وذلك بعد صدور الأمر السامي بتطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية - بما فيها إصدار رخص القيادة - على الذكور والإناث، فالقرار له أهميته البالغة لتعزيز دور المرأة الريادي والعميق في سياق الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية وتمكينها من ممارسة حياتها الطبيعية، ومشاركة الرجل في مسيرة التنمية التي تنشدها بلادنا.
الثقافة والأنشطة
وفي مجال الثقافة والأنشطة والترفيه التي تُعدّ من مقومات جودة الحياة، ستوفر الدولة خلال خطة (2030) كل الدعم لجهود المناطق والمحافظات والقطاعين غير الربحي والخاص في إقامة المهرجانات والفعاليات، وتفعيل دور الصناديق الحكومية في الإسهام في تأسيس وتطوير المراكز الترفيهية؛ ليتمكن المواطنون والمقيمون من استثمار ما لديهم من طاقات ومواهب. إلى جانب تشجيع المستثمرين من الداخل والخارج بعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي المناسبة لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف ومسارح وغيرها، ودعم الموهوبين من الكتّاب والمؤلفين والمخرجين والفنانين، والعمل على دعم إيجاد خيارات ثقافية وترفيهية متنوّعة تتناسب مع الأذواق والفئات كافّة. ولن يقتصر دور هذه المشروعات على الجانب الثقافي والترفيهي، بل ستقوم بدور اقتصادي مهمّ من خلال توفير العديد من فرص العمل.