د. علي بن فايز الجحني
تحل مناسبة اليوم الوطني السعودي هذا العام، في مرحلة حساسة من تاريخ الشرق الأوسط والعالم، وسط ظروف عربية، وعالمية، وأحداث متسارعة بالغة الأهمية، ورغم الظروف التي واجهتها المملكة عبر تاريخها؛ فقد تغلبت على كل التحديات بحمد الله وخرجت ظافرة منتصرة على أعدائها، وواصلت مسيرتها في العطاء، والمزيد من المنجزات، يد تبني وتحافظ على المكتسبات، وأخرى تتصدى لأعداء الوطن ومثيري الفتن والأزمات بحزم واقتدار.
وهكذا يعيش الوطن نهضة تنموية حافلة بالإنجازات التي يقف الشعب السعودي والعالم أمامها إكبارًا وإجلالا، وتحقق للسعودي الأمن والوحدة والتنمية، كل ذلك بفضل الله، ثم بجهود وجهاد المؤسس الملك عبد العزيز- رحمه الله- الذي وحد شمل هذه البلاد المترامية الأطراف، وثبت أركانها، وجمع شمل أهلها، وانتشلها مما كان يلفها من ظلام دامس، وفقر وجهل ومرض، وشتات وفرقة وتناحر، فتحولت إلى واحة أمن وأمان في ظل الإسلام وسار على نفس النهج أبناؤه البررة جيلا بعد جيلٍ.
والمتأمل فيما كتبه المؤرخون وأثبتته المراجع من وصف دقيق لحالة شبه الجزيرة العربية قبل مجيء الملك عبد العزيز وتوحيدها، يجد أنه كان يسود كل أنحائها الخوف والغزو والسلب والنهب والبدع والخرافات، وكل صنوف الإجرام، لدرجة أنه لم يعد للإنسان، ولا للدماء المعصومة حرمة، يقول العالم المصري «الجبرتي» في تاريخه في معرض حديثه عن معاناة حجاج بيت الله في تلك الفترات المظلمة، وما يلقونه من نهب وسلب وخوف: «إن القوم كانوا يودعون الحاج وكأنه ماضٍ إلى حتفه، فما يعلمون إن كان سيعود إلى أهله سالمًا أم لا.. فالطريق طويل، وقطاع الطريق يتربصون بقوافل الحجيج» ثم يقول:
«وإذا عاد الحاج سالمًا أقيمت له الزينات والأفراح، وأقبل الناس عليه يهنئونه على ما وفق إليه من عبادة الله، ومن سلامة في الإياب، فهو في نظرهم قد ولد من جديد وحق له أن يتلقى التهاني على عودته التي كان يظن أنها لن تحدث أبداً».
لقد كان يتردد في تلك الفترة مقولة مفادها: «الذاهب للحج مفقود والعائد منه مولود» وبعد أن قيض الله لهذه البلاد الملك عبد العزيز ورجاله المخلصين انبثق فجر جديد، بإقامة دولة الوحدة والأمن على دعائم راسخة البنيان، قوية الأركان.
من هنا تألقت وسمت مكانة المملكة وعلا شأنها، وذاع صيتها على المستوى العربي والإسلامي والدولي.. مملكة تحمي أقدس البقاع وأطهر الأماكن ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهي الحصن الحصين للإسلام والمسلمين قولًا وعملًا: تذود عن العقيدة الصحيحة، وتنافح عنها، وتدافع عن قضايا العرب والمسلمين.
ولهذه الأسباب وغيرها تظهر بين وقت وآخر فئام من الأعداء الحاقدين لما حبا الله به بلادنا من مكانة رفيعة، وثروات، وخيرات، وما تضطلع به من دور قيادي وتاريخي مشهود، كل ذلك لم يزد قيادتنا وشعبها إلا قوة وتلاحمًا، والسير قدمًا إلى منظومة العالم المتقدم في كل المجالات، وها هي قيادتنا مستمرة على نهجها تقدم لشعبها الوفي الإنجازات تلو الإنجازات غير ملتفتة إلى الأصوات النشاز، من المتطرفين مدعي الغيرة على الإسلام والمسلمين، ولا المتاجرين بقضايا الأمة.
لاشك أنه في مثل هذه المناسبة يحق لنا أن نفتخر بما قد تحقق على ثرى بلادنا الطاهرة وفي مسارات الإصلاح والتجديد وبناء اقتصاد سعودي قوي، والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام، ومحاربة الفساد والتطرف دون هوادة، وتشجيع الاستثمارات العامة، والتعاون والشراكة المحلية والدولية، والدفاع عن مصالح المملكة وغيرها من الإنجازات العظيمة، فلنستحضر ونستلهم كسعوديين مع إطلالة فجر كل يوم جديد كل المنجزات والمكتسبات والشواهد الحضارية، والمحافظة عليها، وأن نغرس في قلوب أبنائنا ثوابت المنهج، وقيم الأمن، واحترام النظام، والإخلاص في العمل، وحمل الأمانة بجدارة كل في موقعه، والمحافظة على ما تحقق من إنجازات، والنظر إلى المستقبل بتفاؤل، ومثابرة، والوقوف صفًا واحدًا ضد المتربصين بالوطن من دول معروفة، ومن جماعات إرهابية مهما تعددت واختلفت مسمياتها، سواء أكانت إخونجية، حزبية، مليشيات، تنظيمات أو غيرها ممن تحاول النيل من بلاد الحرمين الشريفين ومواقفها الثابتة.
وإنه لم يعد خافيًا على أحد أن سبب كرهم وحقدهم ومعاداتهم لمنهج المملكة يعود إلى كون المملكة متمسكة بالإسلام الوسطي، والتسامح والاعتدال، وخدمة قضايا العرب والمسلمين، والاهتمام بالوطن والمواطن في ظل الثوابت السعودية، وهذا ما لا يريده الأعداء.
ما يضرُّ البحرَ أمسى زاخرًا
إنْ رمى فيه سفيه بحَجَرْ
ولبسط الموضوع نورد جملة من سر وكنه بغضهم لثوابتنا ومنها:
بغضهم وحقدهم بسبب قوة التلاحم بين الشعب والقيادة، وعلى التطبيق للإسلام الوسطي قولا وعملا، وعلى الموقع الاستراتيجي الذي تتميز به المملكة، وما تختزنه أرضنا المباركة من خيرات، ومن كونها قبلة المسلمين، وما تتمتع به من وحدة وطنية شاملة، وولاء وانتماء، وصفاء عقيدة لا نظير له، ويبغضوننا أيضا بسبب كون المملكة - حرسها الله - تسهر على راحة حجاج بيت الله الحرام، وزوار مسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتقدم لهم أرقى الخدمات، وزيادة على ذلك يبغضهم ويحرك حقدهم النقلة النوعية في مستوى مخرجات التعليم، والخدمات الصحية ومستوى المعيشة والحياة الكريمة التي يعيشها الإنسان السعودي، ومستوى الأمن الوارف الذي يتمتع به، ومعه المقيم والزائر، ومما يزيد في حقدهم الدفين أن المملكة في مقدمة الدول على مستوى العالم في تقديم المساعدات الإنسانية، ومن أفضل 20 اقتصادا عالميا، وترفض بل تقاوم التمدد الصفوي في الدول العربية، ناهيك عن حقدهم وحسدهم من أن المملكة تشق طريقها قدما في سلم التطور من خلال تدشين المشاريع الجبارة التي انبثقت من رؤية (2030) مثل: جزر البحر الأحمر، القدية، نيوم، ومن أنها تعمل على تنوع مصادر دخلها، وفوق هذا يبغضهم - قاتلهم الله - كون المملكة مناصرا قويا بالأفعال لا الشعارات للقضية الفلسطينية، وأيضا المظلومين في كل أنحاء العالم الإسلامي، وتتمتع بعلاقات متميزة مع الأطراف الدولية ذات التأثير في السياسة العالمية.
{قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
كناطحِ صخرةً يوما ليُوهِنَها
فلم يَضُرَّها، وأوْهى قَرنَه الوَعِلُ
عاش الوطن الشامخ مشرقًا بالحب والعطاء، والنصر، معمورًا بحب أبنائه المدافعين عن حياضه في ظل قيادته الحكيمة: خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ملك الحزم والعزم، وعاش قائد الرؤية والمبادرات والتجديد، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، القائد الاستثنائي الذي يقود بجدارة مسيرة التحديث والتجديد نحو آفاق مشرقة بالعطاء والبناء والتطوير، والمشاريع الطموحة برؤية ثاقبة، وإرادة قوية، منفذًا ومستلهمًا في كل أعماله توجيهات قائد المسيرة خادم الحرمين الشريفين.
وختاما:
إن الكثير من أدبيات الدراسات الإستراتيجية والتنموية تركز على أن الأمن مسؤولية الجميع، وأنه لا تنمية دون أمن، ولا أمن دون تنمية، ولا معنى لكليهما دون وحدة وطنية، وهذه المعادلة استوعبها العقلاء في العالم العربي والإسلامي وتجاهلها من تجاهلها، فحدث لهم في مجتمعاتهم ما حدث مما يندى له الجبين.
وبمناسبة اليوم الوطني فإننا نرفع للقيادة والشعب التهاني والتبريكات، سائلين الله تعالى أن يديم على الوطن والمواطن نعمة الإسلام والأمن والأمان والازدهار، والله ولي التوفيق.
** **
- وكيل جامعة نايف العربية للشؤون الأكاديمية سابقًا