د. محمد عبدالله العوين
بعد أحد عشر عاما من الكتابة المنتظمة في هذه الزاوية؛ ثلاث مرات خلال عشر سنين، ثم مرتين في الحادية عشرة بحصيلة تقرب من ألفي مقال بين طويل وقصير، شرقت وغربت، سكبت أفراح وعذابات الروح بماء الكلمات، وعبرت عن أشجان النفس وحرقة الذكريات ومواجع الأماكن القديمة وأطلال الأحلام الغاربة، وتحدثت عن شخصيات مؤثرة ومشاهير انطوى ذكرهم وغاب بريقهم بتأثير عواصف الجدة والحداثة، وصَفَت المقالات بخيال الروائي ولاقطة الكاميرا ما خلف اللقاءات الرسمية، فرسمت ملامح ما لم يعرف عن الشخصية المعروفة مما لا يتبين إلا لمن يمكث طويلا يراقب ويتفحص ويوازن بين الظاهر المعلوم والباطن الخفي، فرسمت سلسلة «مشاهير التقيت بهم» صورا أخرى تكاد تكون غائبة عن التدوين لنجيب محفوظ، وأحمد السباعي، وحمد الجاسر، وعبد الله بن خميس، وطاهر زمخشري، ومحمد عبده، وغيرهم، وصورت مقالات أخرى ألم الحنين إلى المنازل القديمة وما كتبته حيطانها وضمته زواياها، كتبت مقالا بدم القلب عن «وداع منزل قديم» فوصفت أرواحا سكنت بين غرفه ومداخله ومجلسه ومكتبته ووصفت ما نال تلك الأرواح من سعادة وحبور وما حلمت به من آمال مجنحة وما عاشته من أشجان مبرحة، وتذكرت من نام وجلس وأكل وسهر وضحك وقهقه من أهل وأحباب وأصحاب، وخطت حروف قلمي تدفق المشاعر وخفق القلوب حين وداع حبيب سافر وبقيت أطيافه السارحة لا تغادر الزوايا ولا تندثر ملامح صوته في ضباب عتمة غياب طويل.
كم ناجيت وساهرت حتى انبلاج خيوط الفجر الأولى بين أحرف لاهثة وأسطر متلاحقة كأنها تخشى عجز «الكيبورد» عن تسجيل المشاعر المتدفقة الجموحة.
وإذا كان للمشاعر الإنسانية الحظ الأوفر في وصف فراق المرابع القديمة ومراتع الطفولة وغياب الأحبة وسفر الأبناء وشجون الذكريات الغاربة؛ فإن ثمة وجها آخر لهذا القلم؛ فهو محارب مواجه أعداء الوطن، كاشف سوءاتهم، قاصف أفكارهم، فاضح أسرارهم، من كان ظاهر العداء، ومن كان خفيا متسترا بأردية التلون والنفاق.
كتبت عن أحلام الوطن وطموح قيادته وصبرها على مواجهة ما يكيده المتربصون والحاقدون وسعيها بثبات وصدق عزيمة إلى تحقيق بناء «السعودية العظمى» فكانت كلمات الزاوية منتشية بافتتاح مشروع، وصارخة في وجه عدو، ومحاربة فكر الظلام والجهل والخرافة والتكفير.
حين بدأت هذه الزاوية مطلع 1432هـ لم تكن حروفها محددة برقم؛ فكان المقال طويلا يشبع الفكرة، ثم تسارع إيقاع العصر وتزاحمت أدوات التثقيف والتسلية وتعددت وسائل التواصل فحدد المقال بـ450 حرفا.
كان بعض المقالات ينسكب حروفا عذبة متهادية معبرة شغوفة بالبث والنجوى دون عناء، فأخلص من المقال بعد نصف ساعة؛ بينما تستعصي علي الفكرة - أحيانا - فأقضي ليلة بطولها دون أن أكتب حرفا، ولقلع ضرس مني أهون علي والله من أن أخط حرفا!. وصلت إلى نهاية استدراجكم بحسن نية إلى استئذانكم في أن أتمتع بإجازة مفتوحة من الكتابة إلى أجل غير مسمى. والله يرعاكم ويسعدكم ويحفظ الوطن ويعز قيادته.