سام الغُباري
لم تعد الكتابة عن 26 سبتمبر المجيد في ذكراه الثامنة والخمسين مجدية هذه الأيام، فالكل يكتبون، ويرقصون ويغنون ويحتفلون، فما قيمة ما تكتبه أمام صيحات الفرح بإيقاد شعلة الثورة الخالدة في كل جبال اليمن ومناطقها ومدنها وبيوتها التي تواجه الإمامة العنصرية العائدة للثأر منا كيمانيين أحرار؟
«إنه واجب الجهاد وحتمية النصر»، هكذا قلت لرفيقي الذي يستحلي رفع صوت أغنية بالعود للفنان اليمني الكبير: أيوب طارش يردد فيها النص الأصلي للنشيد الوطني اليمني، ويقول مطلعه: رددي أيتها الدنيا نشيدي.. ردديه وأعيدي وأعيدي، فيعيد صاحبي الأغنية على طول سفرتنا في طرقات حامية تكويها الشمس وتلفح وجوهنا في خريفية سبتمبر المميز.
لقد تحولت هذه الأيام المباركة في المملكة العربية السعودية إلى احتفال شعبين شقيقين على تاريخ متصل تفصله ثلاثة أيام فقط، ففي الثالث والعشرين منه برز اليوم الوطني السعودي كمهرجان فرح عانق فيه اليمانيون العاملون بالمملكة باهتمام بالغ الأثر ومشاركة مميزة برفع أعلام راية التوحيد على جباههم وفي فرحة أطفالهم بالميادين العامة وعلى نوافذ سياراتهم وعند مدخل كل باب فيه رزقهم ومقرهم وسكناهم، راية ينظر إليها اليمنيون بشموخ ساطع لأول حكم عربي ضخم المساحة والهدف بعد قرون الشتات والاستعمار والتشظي.
وفي 26 سبتمبر اليوم تطل الفرحة عاتية كالموج، ترقب السائرين والغادين، موج له مدّ واحد وليس به جزر، يتقدم ولا يتراجع، يكر ولا يفر، يقبل ولا يدبر، ذلك هو سبتمبر اليماني في تلفته وصبره وإدمانه على النصر المتأخر، يأتي عارمًا، طاغيًا، باذخًا، متحمسًا، وبعد الموج يغمر الطوفان ثنايا المجد، حاملًا الفُلك اليماني إلى أقاصي السماء، حيث يطفو «سام بن نوح» مجددًا على صنعاء ويرسو على أحشائها، ثم يأتيها من أبوابها وقد استقر به المقام فوق قصر غُمدان، يرى بعينين واسعتين تكسوهما الابتسامة فلول الإمامة وكُفار المساواة والعدالة مصبحين بلا قوت ولا قوات.
طوفان كالعدوى نشر مباهجه الثمينة طوال شهر كامل على مختلف وسائل التواصل وفي قلوب الناس مؤكدًا واحدية الاستقلال العربي السعودي - اليمني، عندما استعاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- مُلك أجداده بسيف عروبته قاهرًا الأتراك وعملاء الاستعمار الغربي، فيقابله اليمانيون بعد عقود بثورة دكت خرافات آخر سُلالات الفرس من عائلة «حميد الدين الطباطبائية»، ليزدهي وجه اليمن الحديث وتعود الشورى أرضه بعد أن غادرت زمنًا طويلًا قاحلًا، جدب فيه الضرع والحقل وماتت الأنفس دون حقها في الماء والطعام.
كان زمنًا يمانيًا مريعًا قبل أن يتحمل ثوار 26 سبتمبر 1962م مسؤولية كبرى، وأرواحهم على الأكف بهجة التغيير الطويل التي رست على جبال صنعاء أخيرًا لتثبت أقدام الجمهورية وأعلامها، وتنتصر لكل يماني في الحقل والبيت والقرية والمدينة، وتجعل الأمر شورى بين الناس، فلا سيد ولا فلاح، إلا أن تلك الجمهورية تقهقرت بعد أن أطفأت الغرور المقدس لصفات الذات الإمامية المتعالية، تعرضت صنعاء لتيار غبي حاقد بلا مسؤولية، فسُلِّمت دون قتال، ثأرًا وحسدًا، فلم يكن لطلائع الجيل الجمهوري الشاب إلا أن يقفوا بالبندقية والكلمة مقاتلين بشراسة عن ثورة أسلافهم الكبار، ومن هناك وهنا عاد الفرح يمانيًا، كأنه القرين المبارك في سبتمبر الخالد.
اليوم احتفال، وغدًا أمر، وبعده صنعاء لا ريب، ومن كذّب جرّب، والأيام بيننا.
وإلى لقاء يتجدد.