د. محمد بن عبدالله آل عمرو
«أجبرت جائحة كورونا (كوفيد19) جميع دول العالم على اتخاذ إجراءات احترازية غير مسبوقة لتحقيق التباعد الاجتماعي للحد من انتشار الفايروس، وشملت تلك الاحترازات تغيير نمط الدراسة في المدارس والجامعات، ونظرا لأهمية التعليم في التنمية والاقتصاد وبناء الأجيال وتزويدهم بالمهارات المعرفية التي تؤهلهم للمشاركة والبناء، فقد تنوعت الأنماط التعليمية بحسب الظروف المحلية لكل دولة، فمنها دول أبقت مدارسها مفتوحة مع تعزيز الإجراءات الوقائية من انتشار الفايروس، ومنها بلدان اختارت إغلاق المدارس في المناطق المعزولة فقط دون سائر المدارس في البلاد، واختارت أكثر بلدان العالم إغلاق المدارس على المستوى الوطني، وكانت المملكة العربية السعودية من ضمن الدول التي اختارت نمط التعليم عن بعد خلال فترة تعليق الدراسة في الفصل الدراسي الثاني عام 1441هـ، وخلال الأسابيع السبعة الأولى من الفصل الدراسي الحالي على الأقل حتى الآن؛ مستفيدة من استثمار الدولة طويل الأمد في البنية التحتية للاتصالات وتقنية المعلومات، ومشاريع التحول الرقمي في التعليم، وما زالت وزارة التعليم تعمل على تجويد منتجاتها وإثراء المحتوى الرقمي من مواد وبرامج التعليم عن بعد، ممثلة في تطبيق منصة مدرستي، وربطها ببرنامج (TEAMS) في شركة مايكروسوفت، وقنوات عين الفضائية على مدار الساعة، وقنوات عين على اليوتيوب، وذلك من أجل استمرار العملية التعليمية بأفضل ما يمكن في ظل الظروف الحالية مع الحرص على تقليل الفاقد التعليمي من المهارات المعرفية والتطبيقية، وعلى الرغم من تلك الجهود الحثيثة من الوزارة إلا أن هناك مؤشرات تدل على أن الفاقد التعليمي في هذه المرحلة سيكون واضحا ومؤثرا في البناء المعرفي والمهاراتي للطلاب؛ أهمها:
* ضعف خدمة الإنترنت، فبالرغم من تحقيق المملكة للمركز العاشر عالميا في سرعة الإنترنت، إلا أن هناك مراكز وتجمعات سكانية لازالت تعاني من انعدام الخدمة أو ضعفها وقصورها عن تمكين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور عن دخول منصة مدرستي، فبحسب تصريح وزير التعليم: أن نسبة عدد الطلاب الذين تمكنوا من دخول المنصة كانت 92% ما يعني أن هناك 8% من الطلاب الذين يقدر عددهم بنحو (480.000) طالب لم يتمكنوا من دخول منصة مدرستي، ذلك غير من تمكنوا من دخول المنصة ولكن واجهتهم بعض الصعوبات في التصفح أو في الصوت، والمؤكد أن وجود قرابة نصف مليون طالب خارج منصة مدرستي كان بسبب ضعف خدمة الإنترنت أو عدمها.
* ضعف مهارة فريق مبرمجي المنصة التي مازالت أقل بكثير من طموحات الوزارة، فمنصة مدرستي وعلاقتها ببرنامج (TEAMS) لازالت بحاجة إلى كثير من العمل البرمجي المحترف لتصل إلى المستوى اللائق بجهود الوزارة في توفير المحتوى التعليمي الرقمي الكبير، وكذلك المستوى المنافس لمنصات التعليم عن بعد والتعليم الإلكتروني في الجامعات المحلية والعالمية.
«ضعف مستوى تفاعل أولياء أمور الطلاب مع عملية التعليم عن بعد، ودخول المنصة، ومتابعة تعلم الأولاد، فقد صرح وزير التعليم بأن نسبة دخول أولياء أمور الطلاب إلى منصة مدرستي قد بلغت 37% ؛، وتشير هذه النسبة إلى أن نحو (3.780.000) طالب لم يحظوا بمتابعة أولياء أمورهم، وهذا رقم كبير جدا، ولا يعكس مستوى مقبول من الشراكة مع وزارة التعليم نحو أبنائنا الطلاب خلال فترة الجائحة.
* ضعف قدرة الأسرة على إدارة عملية التعلم عن بعد في البيت وذلك لأسباب عديدة منها اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه البناء المعرفي للطلاب وأثره في مستقبل حياتهم، وعدم توفر القدرة المالية لتوفير متطلبات العملية التعليمية في حال كثرة الأولاد وتعدد صفوفهم الدراسية، سواء من أجهزة الكمبيوتر أو الجوالات، أو الشاشات التلفزيونية.
وليس بخاف على المختصين والمتابعين تدني مهارات طلابنا في القراءة والعلوم والرياضيات في نتائج الاختبارات الدولية (TIMSS- 2018)، الذي تتحمل وزارة التعليم النسبة الكبرى من المسؤولية لتلك النتائج بحكم طبيعة ممارساتها التراكمية لاختصاصاتها، ولكن من المؤكد أن الفاقد التعليمي خلال فترة التعليم عن بعد سيكون أكثر وضوحا وتأثيرا في مستوى التحصيل المعرفي لدى الطلاب، وفي هذه المرة لن تكون وزارة التعليم وحدها هي من تتحمل مسؤولية ذلك الفاقد التعليمي المتوقع، حيث يجب أن تكون هناك مشاركة حقيقية لوزارة التعليم من الجهات ذات العلاقة وأهمها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات التي يجب أن تبادرا للاستعجال في رفع سرعة الإنترنت في المراكز والتجمعات السكانية التي تعاني من انعدام الخدمة، إلى الحد الذي يمكن الطلاب من الدخول إلى منصة مدرستي، كما يجب أن تساهم شركات الاتصالات بتقديم خدمة الإنترنت بأسعار تشجيعية مخفضة لعموم الطلاب؛ كما يجب على أولياء الأمور تحمل مسؤوليتهم تجاه متابعة البناء المعرفي لأولادهم وتوفير الأجهزة والبيئة المنزلية والإدارة المناسبة لضمان استفادة أولادهم مما تقدمه لهم وزارة التعليم؛ كما يجب على البنوك وشركات التمويل وبعض هيئات المجتمع المدني ذات العلاقة المبادرة إلى توفير البرامج التمويلية غير الربحية لتمكين الطلاب من شراء الأجهزة الحاسوبية الضرورية للتعلم عن بعد.
خاتمة للسري الرَّفَّاءْ:
إذا العبْءٌ الثقيلُ توزعتْهُ
أكفُّ القومِ خفَّ على الرقابِ