خالد بن حمد المالك
خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن صمته ودبلوماسيته الهادئة، ومحاولاته مسك العصا من الوسط، وقال من قصر الإليزيه في باريس في مؤتمره الصحفي عن لبنان، وفشل رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب في تشكيل حكومة إنقاذ واختصاصيين، ما لم يقله في بيروت خلال زيارتين له لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا البلد المنكوب.
* *
حمّل الرئيس الفرنسي حزب الله وحركة أمل -تحديدًا- مسؤولية إفشال وتقويض إمكانية تشكيل حكومة لبنانية مستقلة عن هيمنة الأحزاب، ولم يستثنِ الرئيس اللبناني ميشيل عون من دور له في إفشال مهمة الرئيس المكلف، بل ذهب الرئيس ماكرون إلى ما هو أبعد من ذلك في تشخيص الحالة اللبنانية حين قال: إن حزب الله لن يستطيع أن يكون ميليشيا عسكرية وحزبًا مسؤولاً في آن واحد، وأن يكون هذا الحزب هو مَن يقرر كل شيء في لبنان.
* *
وامتدادًا لعدم رضاه عن موقف حزب الله من تشكيل وزارة الرئيس المكلف مصطفى أديب، أشار الرئيس الفرنسي إلى أن سلاح حزب الله ظهر مشاركًا في حرب سوريا ضد الشعب السوري، وفي لبنان ضد اللبنانيين؛ بما فُسِّر بأن هذا الوضوح في موقف الرئيس الفرنسي سببه خيانة الطبقة السياسية، وعدم الالتزام بما كانوا قد وافقوا عليه والتزموا به خلال زيارتَيْه للبنان.
* *
كما انتقد الرئيس الفرنسي رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري، وقال إنه كان مخطئًا باقتراحه إضافة عنصر طائفي إلى تشكيل الحكومة، وذلك ردًّا على اقتراحه بقبول طلب الثنائي الشيعي أن يكون وزير المالية منهما لمرة واحدة، وأن لا يكون منتميًا لأي من حزب أمل أو حزب الله، وهو ما كان ضمن قراءة الرئيس الفرنسي للمشهد اللبناني.
* *
صحيح أن الرئيس الفرنسي اتهم الطبقة السياسية بالخيانة، وأنها تعمل ضد مصالح الشعب، وضد مصالح لبنان، إلا أنه خرج في مؤتمره الصحفي من العموميات إلى تحديد المسؤولين عن إفشال مهمة رئيس الوزراء المكلف، وسماهم بـ»حزب الله وحركة أمل والرئيس اللبناني»، كما أنكر على الحريري اقتراحه أن تضم حكومة مصطفى أديب عنصرًا طائفيًّا، مضيفًا بأن الطبقة السياسية من مسؤولين وسياسيين وأحزاب يفضلون مصالحهم الشخصية والحزبية على مصالح لبنان، حتى ولو اقتضى الأمر تسليم الدولة إلى قوى خارجية.
* *
الرئيس ماكرون توقَّف أكثر من مرة للتنديد بحزب الله؛ فهو يرى أن الحزب لا يمكن أن يكون جيشًا يحارب إسرائيل، وميليشيا تحارب المدنيين في سوريا، وحزبًا له احترامه لدى الشعب اللبناني. مشيرًا إلى أن حزب الله وحركة أمل لا يريدان أن يتغيّر أي شيء في طريقة اختيار الوزراء، متسائلاً: هل هذا الثنائي الشيعي يريد العمل لمصلحة قوة أجنبية ضد مصلحة لبنان؟
* *
في هذا المؤتمر الصحفي وضع الرئيس الفرنسي أصابعه العشر على الجرح النازف في لبنان، وتوقَّع ما هو أسوأ إذا استمرت الطبقة السياسية الفاسدة على ما هي عليه في سلوكها، لكنه أمهل هذه الطبقة بما لا يزيد على شهر، وبعد هذه المهلة سيكون لكل حادث حديث؛ وبذلك فحزب الله وحركة أمل أصبحا في عين العاصفة إن لم يتجاوبا مع مبادرة الرئيس الفرنسي لإنقاذ لبنان، بالعمل لا بالكلام الرخيص.