مها محمد الشريف
لم تفاجئنا بعض القيادات الفلسطينية على مر التاريخ بقراءاتها ومواقفها الخاطئة التي تصب دائماً في خسائر تنعكس على قضية فلسطين بالمقام الأول فهم محترفون بخسارة الأشقاء والأصدقاء، وكل من يدعمهم ويقف معهم نال منهم نصيبه بمواقفهم السيئة وأكبر مثال على ذلك وقوفهم بجانب صدام حسين عندما احتل الكويت عام 1990 رغم أنها الدولة التي شهدت ولادة أول مقاومة فلسطينية رسمية منظمة بوجه إسرائيل ودعمتها لعقود، ووجود أعداد ضخمة من الفلسطينيين الذين يعملون بالكويت.
وقبل ذلك لهم مواقف كارثية في أحداث أيلول 1970 بالأردن عندما تحركوا لعمل انقلاب في دولة استضافت ملايين من الفلسطينيين الذين أخرجوا من أرضهم ولا ننسى ما قاموا به في لبنان من محاولة للسيطرة عليه أيضا وانتهى بدمار شامل واحتلال إسرائيلي مؤقت لبيروت ولم تتوقف كوارثهم السياسية فعقدوا اتفاق أوسلو الذي بموجبه عقدوا معاهدة سلام مع إسرائيل دون أن يتشاوروا مع أي طرف عربي فعلياً رغم أن الموقف العربي كان يدعمهم بمؤتمر مدريد الذي أسس لعقد سلام شامل لكل الدول العربية فهم أول من انفرد بحل بعيد عن دول لها علاقة بملف السلام مباشرة كسوريا ولبنان والأردن.
والآن يتحدثون عن غدر إماراتي وبحريني لقضيتهم وهم أول من ناصر صدام بعدائه للخليج العربي واحتل الكويت وهم أصحاب موقف سلبي اتجاه تهديدات إيران وأطماع تركيا بالمنطقة وكأن الأمر لا يعنيهم وبالمقابل يريدون من العرب أن يقدموا لهم الدعم ويتخذوا مواقفهم السياسية على مقاسهم. بينما هم يقومون بكل الموبقات في عالم السياسة وأصبحوا بعيدين عن الواقع المعاصر ويعيشون في عالمهم الخاص المليء بالرفاهية والحسابات الدولارية المتضخمة بينما شعبهم يعاني من البطالة وصعوبات تكاليف المعيشة.
انعزال القيادة الفلسطينية عن محيطها وعمقها العربي، وتخبط صائب عريقات أفقدها تمييز صلاحيات دور الجامعة العربية وأمينها، حيث طالب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن يستقيل أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، فَقَدْ فَقَدَ مصداقيته وأمانته، مضيفا: «يجب عليه الاستقالة فورا»، فكل ما يحدث من مواقف لقيادة فلسطين هو ضعف وضياع ظهر من نواح عدة وبصورة متناقضة هزت قدرتهم بالدفاع عن قضيتهم، حتى أصبحوا الحلقة الأضعف.
واليوم يطل علينا صائب عريقات ليطالب أمين الجامعة العربية بالاستقالة لأنه يريد منه أن ينتقد الإمارات والبحرين على التطبيع فكيف لأمين له أدوار محددة وليس من حقه أن يتخذ مواقف من أي دولة عضو في الجامعة أن يطلب منه موقفا سياسيا فهل هو دولة أو طرف ليفعل ذلك، فهو يعمل وفقاً للمهمات المزمع القيام بها، فعندما تبدأ حالة فقدان الثقة من جماعات أو أكثر لدول العالم فإنها غارقة في ترسبات غريبة تدل على أن ساسة فلسطين منفصلين عن الواقع وأصبحوا تائهين ومتخبطين بقراءاتهم، فقد أعماهم الغضب وتزايدت الفجوة اتساعاً.
لم يعد هذا المسؤول يريد سماع صوت غير صوته، لذا اضطر أن يظهر رغبات مكبوتة كثيرة في وضح النهار، فهو يريد من أبو الغيط نقد دولة عضو بالجامعة، لا شك بأن هذا دليل فقر بفهم السياسة وانسلاخ عن محيطهم وعلاقتهم بالعالم العربي الذي يعتبر عمقهم، وفي الإطار نفسه نتج عن هذا الخطاب والخارج عن المألوف تعبير عنيف وتشكيك بالنوايا وهو شيء غريب خارج التصور والفهم والواقع.