بكري عساس
بتاريخ الرابع من ديسمبر 2011م، كتبت مقالاً في جريدة عكاظ بعنوان «الجامعات السعودية والرؤية اليوسفية»، ذكرت فيه أن على الجامعات أن تستغل مرحلة الرخاء لإيجاد مصادر دخل بديلة -لأن دوام الحال من المحال- وذكرت بالتحديد الاهتمام بما يسمى بالاقتصاد المعرفي وبث ثقافة الأوقاف والهبات بين مجتمع رجال المال والأعمال.
أترككم مع بعض ما جاء في المقال: «قال تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}، هذه القاعدة «اليوسفية» الاقتصادية القائمة على توظيف زمن الرخاء لضمان الاستمرار في زمن الشدة هي قاعدة أصيلة تنظم مناشط الحياة كلها. بين أيدينا ثلاث حقائق في إطار التعليم العالي في المملكة تجعل من استحضار هذه «الرؤية» ضرورة وجود وبقاء:
1 - تزايد كلفة التعليم العالي.
2 - تزايد أعداد الطلاب عاماً بعد عام.
3 - كثرة المشاريع التنموية.
بالتأكيد هذه الحقائق تجعل «الدلال» التمويلي الذي تحظى به جامعاتنا عرضة للخطر! فالدولة أيدها الله ما بخلت ولن تبخل ولكن لكل قدرة حدوداً، ومسؤولية الدولة عن كل قطاعات التنمية واحدة ولا بد لها من الموازنة. إضافة إلى أن الدورات الاقتصادية لا تخلو من مراحل ركود قد تضطر الدول إلى وضع خطط تقشفية تجيء على حساب كثير من أحلام المستقبل، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد». انتهى الاقتباس.
كانت ردود الأفعال على ما خطيته أغلبها معارضة بحجة جعل الجامعة تحت رحمة رجال المال.
السؤال الآن هل تستطيع الجامعات وحدها أن تنجح في هذا الميدان؟ وهل يمكنها أن تحقق طموحاتها التمويلية الذاتية إذا لم يقف معها الآخرون؟
أقول وبالله التوفيق: إن في رؤيتي الشخصية أن الجامعات هي بمثابة «مصانع» للمعرفة وإنسانها واقتصادها، والمصنع إذا فقد إمدادات الطاقة والمواد الخام تعطل، وهذه «الإمدادات» إنما تجيء من مجتمعها الذي هو أول المستفيدين منها. لذلك أجده واجباً على كل قادر أن يكون له إسهام بماله أو فكره أو جهده في دعم الجامعات لكي تقوم بدورها في رفد الوطن بكفاءات متميزة.
لا يغيب عن فكر أحد الدور الهام الذي تلعبه الجامعات في تحريك التنمية، لذلك أجده واجباً على الجامعات أن تبدع في التخطيط وتجيد في التنفيذ وتقود حركة التحول باقتدار، والتركيز على الأبحاث الابتكارية، لتتمكن من ترجمة رؤية القيادة في تعدد مصادر الدخل إلى واقع ملموس.
في مقدمة كتاب الجامعات العظيمة لجوناثان كول: «حينما تضع الأمم ثقلها على الجامعات، فإنها تراهن على المنافسة في التطوّر الحضاري للشعوب؛ على اعتبار أن الجامعة هي المؤسسة التعليمية التي تصوغ المعرفة وتُقَدِمها، كما تبني العقول وتطور البحث لخدمة البشرية».