د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تكشف تحركات صناع القرار الأوربيين عن خطة متكاملة لمواجهة التغيرات المناخية على الاقتصاد، حيث تتجه الأهداف نحو الحد من انبعاثات الغازات والكربون مقابل الاستثمار في الزراعة والطاقة المتجددة في أفق 2050 الذي سيشكل مفهوما جديدا يوازن بين انبعاثات غازات الدفيئة وامتصاصها، بعدما شهدت عدة دول أوربية حرائق كبيرة أدت مالا يقل عن 80 شخصا في اليونان عام 2018، والآن هناك حرائق في غرب الولايات المتحدة تعتبرها ألمانيا هي نتاج تغير مناخي من صنع البشر.
هناك التزامات قطعتها على نفسها الدول في قمة أوساكا عام 2019 بأهمية التحولات الريادية في مجال الطاقة الرامية إلى تحقيق الأهداف الأربعة، أمن الطاقة، والكفاءة الاقتصادية، والبيئة، والسلامة.
تواجه التجارة العالمية بعد جائحة كورونا فجوة تمويلية تصل إلى 5 تريليونات دولار، ومن أجل تحقيق الدول الأوربية أهدافها بحاجة إلى استثمارات في الطاقة النظيفة، لكن كثيرا من التوقعات تشكك في عودة استهلاك النفط إلى مستوياته قبل الجائحة، لذلك ستظل الأسعار عند 45 دولارا للبرميل حتى منتصف 2021 بسبب مخزونات النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فوق المتوسط في حدود 123 مليون برميل فوق أحدث متوسط لخمسة أعوام.
رغم أن السعودية تقود أوبك، وتواصل إدارة السوق لمحاولة تحقيق توازن بين العرض والطلب، لكنها مهتمة كثيرا بالغاز بسبب أنه أرخص في تكلفة الإنتاج وأقل انبعاثات كربونية مقارنة بالنفط، وأكثر طلبا، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الغاز بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2040 وفقا لشركة بريتش بتروليوم.
تركيز السعودية على الغاز يؤكد قدرتها على استشراف مستقبل الطاقة والاستفادة من هذه الثروة في عمليات إنتاج الكهرباء والمياه المحلاة وعمليات التعدين، عززت هذا التوجه اكتشافات للغاز في حقل الجافورة وغيره من الحقول الأخرى التي أعلنت عنها السعوية، وهو يحتوي على نسبة عالية من الإيثان جوهر الصناعات البتروكيماوية، بالإضافة إلى سوائل الغاز والمكثفات اللازمة للصناعات البتروكيماوية، وفي نفس الوقت تحرير مليون برميل من النفط ومشتقاته التي يتم حرقها في محطات الكهرباء والاستفادة منها في التصنيع وفي مزيج الطاقة.
لم تتوقف السعودية على إدارة أسواق النفط بل كذلك بحكم أنها تقود مجموعة العشرين استثمرت خبرتها في إدارة أسواق الطاقة إلى عقد اجتماعات عديدة منها عقد اجتماع عالمي يبحث سبل تسريع وتيرة الانتقال نحو الطاقة النظيفة، فعقدت السعودية الاجتماع ال11 لمؤتمر الطاقة النظيفة وال 5 لمبادرة مهمة الابتكار، كذلك تقدمت السعودية في اجتماع وزراء الطاقة في 27 سبتمبر 2020 باعتماد منصة ونهج الاقتصاد الدائري للكربون، واعتبرت هذا الاقتراح استراتيجية سعودية متكاملة للعالم.
تؤمن السعودية أن الانتعاش الأخضر سيولد فرص نمو طويلة الأجل لها، لذلك تبنت بناء مدينة الملك سلمان للطاقة، وتم إنجاز 40 في المائة من المرحلة الأولى للمشروع، والمرحلة الثانية ستنتهي في 2025، والثالثة في 2030، كما أن أرامكو نجحت في تصدير أول شحنة من الأمونيا الزرقاء في العالم بالشراكة مع سابك والتعاون مع معهد اقتصاديات الطاقة الياباني.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة