الإتكيت السائد المتعارف عليه هو قواعد وسلوكيات خارجية تساهم في جعل الشخص مقبولاً اجتماعيًا ومهنيًا، وتعطي انطباعًا عنه من خلال تصرفاته, وتعامله مع الآخرين, وطريقة أكله وجلوسه وحتى لبسه ومظهره الخارجي. غالباً متفق عليها ويتم سنَّها حسب البيئة والمحيط.
لكن ما أتحدث عنه هنا هو إتكيت المشاعر الذي يعتبر كبطاقة منسية في منظومة الإتيكت هذه. إتكيت المشاعر هو من قوانينك, أنت الذي تحددها لحماية نفسك ومشاعرك. هو سلوك داخلي عكس الإتيكت السائد الذي هو سلوك خارجي. إتكيت المشاعر يكسبك احترامك لنفسك ولذاتك ولمعتقداتك وأفكارك ومشاعرك. لأن مشاعرك لا بد أن تكون غالية عليك قبل أن تكون مهمة للآخر. وإن لم تكن ذات قيمة عندك فلا تتوقَّع من الآخر أن يهتم بها. ولا بد أن تفكر فيها جيدًا وتعرفها لتحمي قلبك وعقلك وروحك الجميلة. لأنك إذا لم تضع هذه المسافة وتحسبها جيدًا, سيتطفل الجميع على هذه المساحة التي يفترض أن تكون خاصة بقوانينك لتصبح عامة بقوانينهم.
قد يكون من أهم قوانين هذا الإتكيت هو أن تكون حقيقياً في التعبير عن نفسك, وعن رغباتك في الحياة في نطاق عدم إحداث الضرر بالأشخاص حولك. فأنت غير مضطر بتصنّع وتقمّص دور ليس دورك, أو إجبار نفسك وتدمير مشاعرك لسبب غير مقنع ونابع من ذاتك. لأن كبت المشاعر والانزعاج يحدثان الألم والمرض من جراء المجاملة والضغط على نفسك.
وأيضاً عدم مقارنة نفسك بالآخرين, من أهم بنود إتكيت المشاعر, فمقارنة نفسك بالآخر إهانة لطريق حياتك الذي يختلف في مساره ومنعطفاته عن الآخر تماماً. هو أيضاً تقليل لأهمية نفسك ودورك في الحياة, واستنقاص لقيمتك المتفرِّدة الحقيقة. فأنت مميز ولك أهميتك المستقلة ورسالتك الخاصة. مجرد مقارنة هذا المسار بغيرك هو تدمير ذاتي لروحك المشرقة. لذلك قد يكون من الجيد أن تركِّز في خط حياتك وقصتك التي صنعتها لنفسك بناءً على قيمك وأهدافك ومعطياتك, والأدوات التي تملكها. لتؤدي رسالتك بشكل صحيح, وتترك بصمة وتأثيرًا إيجابيًا على نفسك, وفي مكان وجودك.
ومن بنود إتكيت المشاعر أيضاً قبول الآخر ومعتقداته كما هو طالما أنه لم يؤذك ولم يفرض عليك أفكاره وسلوكه؛ لأنه قد تكون من الغيبة الفكرية استنقاص الآخرين فقط لمجرد أنك تعتقد بتقدمك عليهم في الوعي أو الأفكار. هم أيضاً لهم أفكارهم ومسار حياة يعتزون به ويحبونه. فالغيبة ليست فقط حديثاً عن الآخر بسوء، بل التقليل من وعي الآخر هي أيضاً غيبة فكرية تكسر أهم قواعد إتيكيت المشاعر الخاص بك، طالما أنه في دائرته ولم يطلب رأيك أو مساعدتك، فتقبل اختلاف درجة وعيه عنك فسوف يتعلَّم بطريقته وتعلّمه الحياة بناءً على أهدافه ونظرته لها.
أختم بالقاعدة التي قد تكون الأهم، بل هي تختصر الكثير من بروتكلات إتكيت المشاعر وهي في هذه الآية الكريمة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. فمن الجيد أن تبدأ بنفسك وتصحح أخطائك وتعدل سلوكك قبل أن تطلبه من الآخرين. لذلك ابدأ بتغيير في نفسك وبترميم وتنظيف داخلك قبل خارجك. ليكتمل الجوهر وينعكس على الخارج وتصبح كنور مضيء لنفسك ولمن حولك.
** **
- محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن