مجرد بارقة في كون «ما فوق المعنى»، أو تفكير بصوت مسموع، كاستجابة قارئ لعدد من نظريات اللغة، في لحظة تأمل ليس إلا، في عبقرية اللغة، من نافذة «عنف اللغة» وأدواتها التطبيقية، في علم الإعلام والاتصال، وعلم اللغة الإعلامي، وعلم النفس الإعلامي، وعلم الاجتماع الإعلامي، وغيرها مما حوته البيئة الاتصالية اللغوية المعاصرة بين ثورتي: الوسائل، والرسائل - انفجارات التدفق المعلوماتي - حتى غدت الوسيلة هي الرسالة!.
كثيرة هي الانطباعات التي تعج بها المدونة الإلكترونية، كأشياء من بسط الكف إلى أعمدة السراب، أمام سلسلة جبال جليدية رقمية من إنتاج ما فوق المعنى في (كونية النص)، التي يعد الحديث عنها في هذا المستوى من أبجديات المربع الأول حول أنظمة النص الذي حقق اشتراطات النصية، أو انتظام التلقي، ووصف ملامح مقروئيته، وتصنيف قارئيه.
إذن: يبدو لي أن عقد تكاملية بين العديد من العلوم الإنسانية آنفة الذكر، والنظريات (المقارنة) في هذه البيئة الاتصالية الكونية، تعد أولى عتبات اقتفاء ما فوق المعنى، لذلك يرى «رولان بارت»، أن الأدب لغة، ووجوده هو في اللغة، واللغة في الأساس قبل كل الأنواع الأدبية، هي: منظومة معان، فهي تنطوي قبل أن تصبح أدبا على مواد خاصة (لكلمات)، وعملية تفكير، وانتقاء، وتصنيف، على منطق خاص، وهذه الكلمات البسيطة هي مدلولات بحد ذاتها، ولها تاريخ، ومحيط، أما معانيها فهي لا ترتبط بالشيء الذي تدل عليه بقدر ارتباطها بكلمات أخرى، قريبة ومختلفة في الوقت نفسه، وفي هذه المنطقة اللغوية بالتحديد، منطقة (ما فوق المعنى) أو منطقة المعنى الثانوي، ينشأ الأدب، ويترعرع».
وربما كانت الرؤية إلى ما فوق المعنى أكثر وضوحا، أو أكثر اقترابا منه، للإحاطة بصورته من جوانب عدة من خلال مناظير النظريات، كنظرية استجابة القارئ، أو نظرية التقمص الوجداني (نظرية الصورة)، في مقابل ما تشرحه نظرية أخرى كنظرية الأعمال اللغوية، وما تفترضه تجاه البنى الخفية للنص، الحاملة لأيديولوجيه، وما سينتقل إليه عبر الوسائل والوسائط، وصولا إلى ملامحه السسيولوجية، الذي يمكن أن تشرح جانبا منه - مثلا - نظرية كنظرية «الخيال» أو نظرية «تولين»، أو النظرية التمثيلية؛ أو النظرية الإشارية، وما الذي يمكن أن تؤول إليه أنماط عبور المعنى، إلى ما فوق معناه؟!.
ومع الوصول إلى أولى عتبات ما فوق المعنى، سنبدأ حينها خطوة الميل الافتراضي، للتعرف على ملامح النخبة الوسيطة (المُرمِزة)، كما تشرح لنا جانبا من ذلك «النظرية الثقافية»، في أول مقاربات حوارات النصوص، واتجاهاتها، لوصف ملامح المعالجات التفاعلية للغة في وسائلها ورسائلها، في مسيرة اقتفاء أثر خطاب ما فوق المعنى.
* يجمع المنظرون على عبقرية اللغة، فماذا عن عبقرية إنتاج «ما فوق المعنى» في زمن الذكاء الاصطناعي؟!.
** **
- محمد المرزوقي