ربما تعني الإرادة الحرة: التخلص من كل الإمكانات المتاحة للذات الإنسانية، في مقابل الحصول على خيار وحيد، قد لا يكون هو المفضل لدى الجميع. هذا ليس تعريفًا إجرائيًا على كل حال، بل هو تبسيط وتقريب للكيفية التي يتسق مع المفهوم في شكله الأقرب من المكونات الأخرى التي تتحول في هذه الحالة إلى أعداء، أو أنماط تأثيرية سلبًا أو إيجابًا طالما أن تلك الذات، الذات الإنسانية تحديدًا، تتفاعل معها وفي داخلها، وتتقلب في وجودها.
إن الإرادة الحرة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بوجود الإنسان، أي بفردانيته. فالذات الإنسانية لا تكون واعية بنفسها ما لم تمتلك تلك الإرادة الحرة التي تسبق الفعل. وهنا تكمن القيمة المطلقة للوجود، الوجود الذي لا يرتبط بأي معنى، ما عدا معنى ارتباطه بالأجزاء الحرة والقادرة على صناعة الفرق في مجريات الطبيعة، وخرق القوانين المتوقعة لسيرورة النمط. وحين يفتقد المرء الشعور بذاتيته، ومقدرته على اختيار إمكانية واحدة في الواقع، وهذا هو أقل ترف وجودي لإثبات وجوده، فإنه لن يكون واعيًا بنفسه ومقدرته وإمكاناته، عوضًا عن أن يكون موجودًا. وربما هذا ما أشار إليه عبد الرحمن بدوي في كتابه «الزمان الوجودي» حين أوضح أن الوجود المطلق، ليس وجودًا حقيقيًا لأنه غامض ولا نملك عنه فكرة واضحة، إنما الوجود الحقيقي هو وجود الفردية والذاتية.
في كثير من المرات، تجد نفسك منساقًا خلف آراء تُمجد كاتبًا أو كتابًا بعينه، أو تشاهد فيلمًا أشبعه النقاد السينمائيين مديحًا، وتفكيكًا لبنيته ومقاصد وإيحاءاته ودلالاته. لكنها ليست بالمرات القليلة التي تجد نفسك مخذولًا بانسياقك خلف إرادة الآخرين، والسير في الاتجاه الطبيعي الذي سلكه من قبلك. على الأقل فلنقل، يمكن للمرء أن يحقق إرادته الحرة بالابتعاد عن الموضة في القراءات، في السينما، في العلاقات الشخصية مع أناسٍ قد لا يبدو أنهم من المحبوبين بسبب افتقادهم للكاريزما الشخصية، وتلك هي أقل استقلالية يمكن أن تحصل عليها في ظل التقييد الكوني/الطبيعي للحرية أصلًا. فكما قال الدكتور عبد الله الغذامي: «الإنسان ليس حرًا، الإنسان ليس عبدًا، الإنسان شبه حر».
ومن ثم، فإن أي حديث عن إرادة حرة، هو حديث عن جزء يسير من الحرية وليس عن كل، فالطبيعة، والسنن الكونية تقتضيان ألا يكون الإنسان إلا شبه حر، وهو هنا أيضًا، شبه موجود بحسب فلسفة الإمكانات لإرادته!
** **
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com