لا أظن أحداً ممن درَس في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يجهل أستاذاً كبيراً وقامة علمية متميزة؛ كالأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن عثمان الهليّل.
وأكاد أجزم بأن لهذه الشخصية الفذّة أيادي بيضاء على معظم من التحق بهذه الكلية بدءاً من عمله عضو هيئة تدريس، ومروراً برئاسته لقسم الأدب, ثم عمله وكيلاً لتلك الكلية، وانتهاءً بعودته للتدريس, ثم تقاعده المبكر. ومَن لا يَشكر الناس لا يَشكر الله، ومن خلال هذا المنبر فإنني أُعلن عن بالغ امتناني لأفضاله عليّ بعد أفضال الله -عزَّ وجلَّ-؛ فقد نلتُ شرف إشرافه عليّ في آخر مراحل إعداد رسالة الماجستير عقب انتهاء عَقد المشرف السابق؛ وهو أحد الأساتذة المتعاقدين الفضلاء، ثم نلتُ شرف التتلمذ على يديه مرة أخرى في مرحلة الدكتوراه، وذلك بعد أن اختاره قسم الأدب مشرفاً على بحثي.
ولستُ هنا بصدد حصر أفضاله عليّ قبل تسجيل موضوع الدكتوراه وبعده، لكن يكفي من ذلك أن أُشير إلى أنه كفاني عناء التردّد على القسم ومراجعته؛ وذلك نظراً لاستقراري اجتماعياً في منطقة القصيم، ناهيك عن ارتباطي وظيفياً بعمل مضنٍ في إحدى مدارس التعليم العام.
وأُشير هنا إلى أن تلك الخدمات الجليلة التي كان يقدّمها الدكتور عبد الرحمن لم تكن مقصورة عليّ وحدي دون غيري، وإنما شملتْ كل من حظي بإشرافه عليه، وقد لمستُ ذلك من خلال حديث كثير من الزملاء الكرام.
وعلى الرغم من وجاهة قدره، وتعدّد محاضراته، وكثرة أعماله الأكاديمية؛ كالتأليف والإشراف على الرسائل العلمية ومناقشاتها، ومشاركاته العلمية والأدبية في المجلات العلمية والمنابر الأدبية مبدعاً وناقداً ومُحكّماً، إلا أن ذلك لم يحل بينه وبين خدمة مريديه ونفع طلابه؛ حيث كان نعم العون لهم, يشدّ من أزرهم، وييسر لهم الصعاب، ويقضي عنهم كثيراً من حوائجهم العلمية والإدارية داخل الكلية وخارجها.
ومما لفتَ انتباهي أن لهذه القامة العلمية تطلّعًا وطموحًا يطاول أعنان السماء؛ فقد تقرّر أن تكون دراستي في مرحلة الدكتوراه ذات منهج إنشائي، وأعترف بقلة زادي آنذاك حول كل الاتجاهات الأدبية المعاصرة، وبدءاً خالجتني شكوك حول فهم هذا المنهج واستيعابه، ولاسيما أن المشرف عليّ كان ممن يُصنَّف بأنه أستاذ تقليدي بحت لا يأبه بمثل هذه المناهج الجديدة، لكن هذه الشكوك سرعان ما زالت منذ أول لقاء جمع بيني وبينه بعد تعيينه مشرفا لي، فإذا بي أجد أستاذاً متفتحاً نهماً محباً للعلم، مستزيداً لكل ما هو جديد مفيد، مخلصاً ناصحاً يغمرك بنبله ولطفه، ويسقيك من علمه وأدبه، ويستحثك على سعة الاطلاع رغم عناء البحث.
ولعل من المناسب أن أختم مقالي هذا بأوجز عبارة حول هذه الشخصية الفذة؛ فقد كان خير عون لي ولغيري من الزملاء في مشروعي البحثي.
ومن هنا أقترح على كليته الموقرة وطلابه الأوفياء أن يحتفوا به، وأن يكرّموه، وأن يُذيعوا جهوده العلمية والأدبية، وأن يعطّروا الناس بنشر سيرته العلمية والشخصية؛ كي يقتدي به طالبو العلم ومحبو الأدب.
أسال الله أن يديم عليه الصحة، وأن يلبسه لباس العافية، وأن يمنّ عليه بصلاح أهله وولده، وأن يبارك له في ماله وعلمه، وأن تكون هذه الخدمات التي قدّمها لسائر طلابه في مراحل: (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه) سبباً في رفعة شأنه، وعلوّ منزلته في الدارين.
** **
د. عبد العزيز بن عبد الله أبا الخيل - أستاذ الأدب والنقد - جامعة القصيم