إعداد - خالد حامد:
يبشر الدبلوماسيون والسياسيون من مختلف الأطياف السياسية في الولايات المتحدة بفرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل جيل لرؤية السودان يتحول من دولة منبوذة إلى شريك. لكن قد يدفع هؤلاء الحلفاء حسنو النية على ما يبدو تجربة السودان الديمقراطية إلى نقطة الانهيار، بينما هم يتفاوضون على شروط واحدة من أكبر العقبات أمام نجاح البلاد في المستقبل وعلاقتها مع واشنطن وهي إزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في الولايات المتحدة.
العملية معقدة للغاية وسياسية للغاية في جميع الظروف، مع القليل من السوابق التاريخية التي يمكن الاهتداء بها.
كانت إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أهم طلب سوداني لواشنطن منذ الاحتجاجات المدنية في العام الماضي التي أدت إلى الإطاحة بعمر البشير، حيث كان السودان مدرجًا في تلك القائمة قبل 27 عامًا بسبب إيواء أسامة بن لادن، بينما خططت القاعدة لهجمات إرهابية على السفارات الأمريكية في شرق إفريقيا والبارجة الأمريكية يو س إس كول.
بينما يقترب السودان والولايات المتحدة من صفقة يمكن أن تؤدي إلى رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مرة واحدة وإلى الأبد، تختبر واشنطن حدود ما يمكن أن تحصل عليه أكثر من شريك ديمقراطي مستقر في منطقة غير مستقرة.
بالنظر إلى ما هو أبعد من موقع السودان الاستراتيجي في القرن الإفريقي الممتد على الساحل والبحر الأحمر، طورت وزارة الخارجية الأمريكية رؤية للسودان على أنه لؤلؤة عربية يمكن إضافتها إلى عقد سلام في الشرق الأوسط قبل الانتخابات الأمريكية القادمة.
لقد أكد القادة المدنيون في السودان مرارًا وتكرارًا على عزمهم إقامة «سياسة خارجية متوازنة» وتعميق علاقاتهم مع الديمقراطيات الراسخة.
بالنسبة للإسرائيليين، تفتح العلاقات الدبلوماسية مع السودان قنوات لتبادل المعلومات الاستخباراتية ومنحهم نافذة على العالم الغامض لجهود مكافحة الإرهاب في السودان. قبل ما لا يقل عن 10 سنوات، كانت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي تقصف طرق التهريب عبر منطقة الصحراء الشاسعة شمال السودان، حيث تنقل شبكات منذ سنوات الأسلحة عبر البحر الأحمر إلى غزة لدعم المسلحين الفلسطينيين. ستساعد العلاقات مع الخرطوم في قطع شريان الحياة.
لإتمام صفقة إقامة علاقات سودانية مع إسرائيل عرضت الولايات المتحدة ما يصل إلى 500 مليون دولار في شكل «مساعدات واستثمارات» غير محددة، وتعهدت إسرائيل بتقديم 10 ملايين دولار لدعم الميزانية، ووعدت الإمارات بتقديم 600 مليون دولار من الوقود. ولكن لم تكن هذه الصفقات التجارية كافية لكسب مباركة السودان النهائية، بحسب مسؤولين شاركوا في المحادثات.
السودان لديه فرصة سانحة ولا ينبغي للغرب أن يبددها، بعد أن بدأ التحول الديمقراطي في البلاد يؤتي ثماره، ولكن بدون دعم دولي، فقد يفشل هذا التحول.
في خضم الانهيار الاقتصادي الموروث من حكومة البشير، والذي تفاقم بسبب جائحة كورونا وآثار الفيضان التاريخي، تحتاج الحكومة السودانية إلى السيولة النقدية لدعم عملتها المنهارة، وإبطاء وتيرة التضخم المفرط المتصاعد، واستيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء من أجل البقاء على المدى القصير.
ويبقى السؤال المهم وهو هل يمكن بيع هذه صفقة السلام مع إسرائيل للشعب السوداني الذي عانى من أجل فرصته في الديمقراطية والذي يعاني اليوم من إهمال أصدقائه الذين يدعون، دون أدنى تلميح من السخرية، أنهم لا يريدون شيئًا أكثر من رؤية المرحلة الانتقالية في السودان تنجح.
إن أفضل طريقة لإثبات هذا الالتزام هي طرح صفقة تعترف بجهود السودان للتغيير وتقدم لشعبه طريقًا إلى الأمام من أجل البقاء والازدهار.
** **
كاميرون هدسون - كبير الباحثين في مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، كما شغل سابقا منصب مدير الشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي - عن مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية