محمد آل الشيخ
حديث الأمير بندر بن سلطان على قناة العربية كان حديثا قوياً متسلسلاً متماسكا مليئا بالدلائل والشواهد الموثقة التي تضع حقيقة مواقف المملكة من القضية الفلسطينية أمام الشعب السعودي، خصوصاً من انخدعوا بجعجعات وخزعبلات قادة الفصائل الفلسطينية ومن شايعهم الذين يدّعون أنهم نذروا أنفسهم (لتحرير) فلسطين، وهم - جميعاً ولا أستثني منهم أحدا - من فرطوا في فلسطين، وقدموها بأقل الأثمان إلى الإسرائيليين، ابتداءً من أمين الحسيني، مروراً بياسر عرفات، وانتهاء بمحمود عباس ميرزا. حديث الأمير بندر بقوته وصراحته وتسلسله ومعلوماته كان فاصلاً وحازماً وحاسماً، وربما كان أيضاً قاصماً لظهور بعض الانتهازيين، فقد تعود هؤلاء المتاجرون بقضيتهم طوال أكثر من سبعين عاماً أنهم يخطئون ويفرطون ولا يحسنون تقدير المواقف، ويمارسون كل ذلك بغباء، أما الخليجيون وفي طليعتهم المملكة، فهم من يدافعون عن أخطائهم وفي النهاية يدفعون الثمن، وهكذا دواليك طوال تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ وهذا بالمختصر المفيد ما قاله الأمير بندر خلال الحلقات الثلاث، والتي هي في تقديري - إن قرؤوا ما بين سطورها جيداً - والتي في رأيي سيترتب عليها فيما بعد تغيرات كثيرة ومؤثرة..
لقد بذلت المملكة من الشهداء والتضحيات والجهود الدبلوماسية والإعانات المالية والاجتماعية في قضية فلسطين ما هو مثبت بالوثائق والمستندات التي لا ينكرها إلا حاقد أو جاحد أو مدلس، وهي ما رواها الأمير بندر بالتفصيل وبالتواريخ، وفي كل مرة، وعندما يصل الزرع إلى مرحلة الحصاد يتهربون، وكأنهم لا يريدون أن تحل القضية، ثم يعودون مرة ثانية ويقبلون ما تنصلوا منه وما رفضوه، ولكن حين لا تكون الفرص مواتية. من يتابع حديث الأمير سيصل قطعا إلى قناعة تامة أن القادة الفلسطينيين يتعمدون تعقيد الحلول ووضع العقبات تلو العقبات كي تبقى القضية معلقة دونما حل، فقد تخطأ مرة أو مرتين، ولكن عندما تتكرر الأخطاء مرات ومرات، ويجري تفويت الفرص، فلا يمكن إلا أن يكتنفك شك مؤداه أن وراء الأكمة ما وراءها. وفي تقديري أن ما طرحه الأمير بندر سيضع قادة الفصائل في (خانة اليك)، فكل ما أشار إليه، وتحدث عن تفاصيله (موثق) بالمستندات، ويشهد عليه شهود ما زال بعضهم أحياء، وليس ثمة مجال للتملص أو اللف والدوران.
والآن، وبمنتهى الصراحة والمباشرة ودونما مواربة، لم يعد اليوم مثل ما كان الأمس، فقد طرأ على الساحة متغيرات وقضايا جديدة، بل وأخطار جديدة، جعلت الاهتمام بالقضية الفلسطينية تتراجع، لتحل محلها قضايا أخرى، تتعلق بنا وتهدد أمننا، وهذه القضايا تتمثل في خطر الفرس القادمون إلينا من شرق الخليج وخطر العثمانيين الجدد القادمون إلينا من الشمال، وخطر التأسلم السياسي الذي أفرز ومازال يفرز الإرهاب. مواجهة هذه القضايا الثلاث، أو بلغة أدق الأعداء الثلاثة، غيرت قواعد اللعبة، وفرضت واقعاً جديداً إذا لم نتنبه إليه ونتعامل معه بعين يقظة فربما أصبحت قضيتنا مثل قضيتهم، وغني عن القول إن أوطاننا لها الأولوية القصوى، ولن نجامل في ذلك كائناً من كان. ولا يغرنكم أن بعض أصوات الصحويين وفلول بعض القومجية ما تزال تناصركم، وتقدم قضيتكم على قضايانا المصيرية، فأولئك في نهاية المطاف هامشيون وليس في أيديهم من الأمر شيء.
وأخيراً أقول عن هذا الحديث التاريخي والمتميز من هذا الدبلوماسي المتمكن والمجرب الذي يعرف من أين تؤكل الكتف، لقد بلغت، ولكن هل ثمة من يفهمون، وإذا فهموا هل تراهم سيتعظون؟.. أشك كثيرا في ذلك.
إلى اللقاء