تعد المملكة العربية السعودية أكبر حاضن لمواقع التاريخ الإسلامي على مستوى العالم؛ بما تحتضنه من مواقع للسيرة النبوية والمواقع والمباني المنتشرة على طرق الحج التاريخية، وطريق الهجرة، إضافة إلى قصور ومباني وآثار الحضارات الإسلامية المتعاقبة، ومواقع مواقيت الحج، ومتاحف التاريخ الإسلامي.
وتتميز المملكة العربية السعودية بوجود أهم مواقع التاريخ الإسلامي المرتبطة بتاريخ الرسالة الإسلامية وسيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعصر الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-. وإدراكاً من المملكة لأهمية هذه المواقع؛ فقد صدرت عدة أوامر وتوجيهات سامية كريمة تضمن : «التأكيد على أهمية المحافظة على مواقع التاريخ الإسلامي بما يجنبها الإزالة أو الاندثار بأي فعل من الأفعال، بشرية كانت أم طبيعة، وبما يضمن ألا تكون هذه المواقع أمكنة لغير ما تدل عليه من مدلولات تاريخية أو أثرية أو عمرانية وبعيدة عن ملامسة أي جانب من الجوانب المنافية للعقيدة الصحيحة».
ومن أبرز مواقع التاريخ الإسلامي في المملكة: جبل النور الذي يقع شمال شرق المسجد الحرام، وفي قمته غار حراء الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعبد فيه قبل البعثة، وجبل ثور الذي يقع جنوب مكة المكرمة، وفي أعلاه غار ثور الذي مكث فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أثناء هجرتهما إلى المدينة؛ وموقع الحديبية الذي ارتبط بالسيرة النبوية، وتم فيه صلح الحديبية، موقع حنين، وقرية الجعرانة التي ذُكرت في أحداث غزوتي حنين والطائف.
ومن المواقع التاريخية في مكة المكرمة عين زبيدة مشروع حضاري خيري قامت بإنشائه زبيدة زوجة هارون الرشيد لسقيا سكان مكة والحجاج في المشاعر المقدسة؛ حيث أجرت قناة من أسفل جبل طاد عبر وادي حنين شمال شرق مكة. وزودت قناة عين حنين بعدة روافد كما أجريت عين من أسفل جبل كرا بأعلى وادي النعمان تصل مياهها إلى أسفل العزيزية مما يلي مكة. وفي المدينة المنورة هناك عدد من مواقع التاريخ الإسلامي من أهمها: موقع غزوة بدر الكبرى، وموقع غزوة أحد، وموقع الخندق، ومشربة أم إبراهيم وهو عبارة عن بستان (حائط) كانت تسكنه مارية القبطية جارية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وولدت فيه ابنه إبراهيم، وبئر رومة التي تقع في الشمال الغربي من المدينة المنورة، وعنها قال الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم : «من يشتري رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشرب في الجنة»، فاشتراها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وجعلها وقفاً في سبيل الله.
وبئر غرس التي تقع هذه البئر في قباء شرقي المسجد، وهي إحدى الآبار التي كان يُستسقى منها للنبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي المدينة المنورة عدد من قصور الدولة الأموية مثل قصر عروة الذي يقع على ضفاف وادي العقيق، وهو من القصور الأموية وينسب إلى عروة بن الزبير، وقصر سعيد بن العاص في العرصة الصغرى من وادي العقيق.
كما تجسد مدينة الربذة التاريخية ملامح تطور الدولة الأموية بآثارها ومبانيها التاريخية.
آثار طرق الحج
وتتخلل أراضي المملكة طرق الحج التي كان يسلكها الحجاج القادمون من البقاع الإسلامية عبر الجزيرة العربية إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم أصبحت طرقا مهمة من طرق التجارة والسفر.
وتعددت طرق الحج، إلا أن الطرق الرئيسية المشهورة تمثلت في سبعة طرق، هي : طريق الحج الكوفي «درب زبيدة»، طريق الحج البصري، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري، طريق الحج اليمني، طريق الحج العماني، وطريق الحج البحريني.
وأقيمت على طرق الحج منشآت عديدة مثل المحطات والمنازل والمرافق الأساسية من برك وآبار وسدود وخانات ومساجد وأسواق، كما أقيمت عليها الإعلام والمنارات وأحجار الأميال التي توضح مسار تلك الطرق وتفرعاتها.
ورغم وجود بعض المعالم التاريخية لهذه الطرق، إلا أن أشهر وأهم طرق الحج من حيث تاريخها ودورها الاقتصادي والاجتماعي، وما تزخر به من معالم باقية معظم آثارها إلى اليوم هي ثلاثة طرق : طريق الحج الكوفي (درب زبيدة)، طريق الحج الشامي، طريق الحج المصري.
وتتميز الطرق الثلاثة بوضوح مسارها ووجود العديد من العالم التاريخية والأثرية الباقية عليها مثل القرى السكنية، ومحطات الاستراحة، والبرك والآبار، والسدود، والقلاع، وأحجار تحديد المسافات.
وقد بذلت الدولة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (سابقا) جهودا في المحافظة على طرق الحج الثلاثة : من أبرزها ترميم عدد من القلاع الأثرية ومن أهمها : (على طريق الحج الشامي) : قلعة تبوك الأثرية وقلعة المعظم، وقلعة ذات حاج، (وعلى طريق الحج المصري) : قلعة الأزلم، وقلعة المويلح، وقلعة الزريب، وقلعة البلدة القديمة بالوجه.
وأقيمت على طرق الحج منشآت عديدة مثل المحطات والمنازل والمرافق الأساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات ومساجد وأسواق، كما أقيمت على هذه الطرق الإعلام والمنارات والأميال التي توضح مسار تلك الطرق وتفرعاتها. وحفظت المصادر التاريخية والجغرافية معلومات مهمة عن طرق الحج في الجزيرة العربية.
متاحف التاريخ الإسلامي
تمثل المتاحف الإسلامية مصدرا مهما لحفظ آلاف القطع الأثرية عن التاريخ الإسلامي التي تم العثور عليها في مناطق المملكة، ومن أبرز هذه المتاحف متحف عمارة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة الذي يعد أحد أهم المتاحف وأكثرها قيمة نظرا لما يحويه من قطع أثرية نادرة ومقتنيات فريدة من الحرمين الشريفين.
ويحتوي المتحف على العديد من المقتنيات الأثرية النادرة والصور الفوتوغرافية القديمة والحديثة للحرمين الشريفين، كما يحتوي على مجموعة من المخطوطات والمصاحف النادرة من مكتبتي المسجد الحرام والمسجد النبوي. كما يمثل متحف المدينة المنورة بمحطة سكة حديد الحجاز أحد أبرز المتاحف التاريخية في المملكة سواء من حيث مبناه أو المعروضات فيه. وأصبح المتحف واجهة حضارية لمنطقة المدينة المنورة، التي تتميز بوفرة المواقع الأثرية ومواقع التاريخ الإسلامي فيها. وتم دشين المبنى احتفالاً بوصول أول قطار من دمشق إلى المدينة المنورة يوم 22 رجب 1326 هـ الموافق 28 آب/ أغسطس 1908م، وفي عام 1419هـ وتستخدم قاعات المتحف لعروض أثرية وتاريخية، فيما يستخدم حرمها لإقامة بعض المهرجانات الثقافية.
ومن المتاحف الإسلامية أيضاً متحف قصر الزاهر بمكة المكرمة، الذي تم تخصيصه للعناية بتراث وتاريخ مكة المكرمة، وتم تشييده عام 1944م، وتنبع أهميته من كونه أحد المقرات الرئيسة للملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- في مكة المكرمة، حيث كان يلتقي فيه -رحمه الله- وفود قيادات الحجيج المسلمين القادمين من مختلف البلاد الإسلامية.
كما يعد متحف تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بالتعاون مع معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت الألمانية، أول متحف متخصص في المملكة يتناول تاريخ العلوم والتقنية في الإسلام ما بين القرنين الثالث والعاشر الهجري.