محمد ناصر الأسمري
بعد نشر مقالي (عودة لمقال دية العاقلة.. وهل للنساء عاقلة؟)، وما أشرت إليه من تعقيبات مثرية للموضوع، تلقيتُ تعقيبات وتوضيحات من ذوي الحجى والأفهام، أثارت مرة أخرى سبلاً وطرائق لكيفية تعامل قبائل بلادنا مع دية العاقلة، وكيف تعاملت النساء ضمن أفراد القبيلة في الصناديق المخصصة بعد وجوب التأمين رسميًّا لكل من يقود سيارة.
واتضح لي أن لا تنظيم رسميًّا يسمح بجمع الأموال للصناديق القبلية. ولا أعلم هل تقر الجهات القضائية حكمًا بدية العاقلة من هذه الصناديق؟ وهل تحكم بوجود المرأة ضمن عاقلة القبيلة؟ أترك هنا ما أدلى به مواطنون ذوو صلة وخبرة.
كان للصديق والزميل في مهنة الكتابة الدكتور عبد الواحد خالد الحميد نائب وزير العمل سابقًا إيضاح، قال فيه:
«ليس على هذا النحو بالنسبة للقبائل المتحضرة مثل أهل سكاكا، وإنما توجد صناديق للعائلات الكبيرة. ولكن عندما تكون هناك دية يتعاون الناس الذين من قبيلة وجماعة واحدة. فمثلاً: حدث أن شخصًا من قبيلة بني خالد من أهل الرياض ترتبت عليه دية؛ فتمت مساعدته من جماعتنا بالجوف (نحن قبيلة بني خالد بالجوف) رغم عدم المعرفة الشخصية به، ولكن دون أن يكون هناك صندوق ثابت مخصص لهذا الغرض. وأظن أن مثل هذا يحدث أيضًا بالنسبة للقبائل البدوية التي لم تتحضر وتستقر إلا في العقود الأخيرة».
وأفادني الصديق الكاتب محمد ناصر أبو حمرا بأن «عند الحمران من ذوي ثبيت صندوق كل سنة 350 ريالاً على الموظف والموظفة اللذين يقودان سيارة فتُدفع الدية منه». ولم يختلف الصديق اللواء مساعد العتيبي الكاتب المتميز عما يوجد لدى القبائل السعودية.
وقال الزميل الدكتور مرزوق بن تبناك: «ما لدى حرب على حد علمي هو الحص، الفرقية، والرفدة. والنساء يدخلن ضمن مَن تتحمل القبيلة جنايتها، ولكن لا تشارك في دفع المال؛ فيكفي وليها».
لكن الدكتور عايض الردادي عضو مجمع اللغة العربية والباحث في التاريخ والحضارة فقد أشار في كتابه (قبيلة الردادة تاريخ اجتماعي من خلال قبيلة حرب) وفصّل بـ»إن هنالك فرقًا بين الفرق والجمعة، الأول لازم على بعضهم، والجمعة تكافل غير لازم، وكلاهما شاملٌ النساء، لكن يدفع عنهن، ولا يدفعن الفرق، وحوادثهن نادرة. أما بعد رخص القيادة فمن تدفع الفرق مع فرق أسرتها يُدفع عنها، سواء كان زوجها أو من كان غيرها».
أما الصديق محمد بن كزان الأسمري فأشار: «رغم أن التأمين يغطي العديد من الأضرار لكن لا يكفي.
والصندوق الخيري يمثل نظام التكافل الاجتماعي، ويعتبر هادفًا ونافعًا، وهو: السبيل - بعد الله - في إخراج مساجين ضاقت بهم ذرعًا، ولا حول لهم ولا قوة إلا بالله، ثم عطف محسن».
ومن مميزات هذا الصندوق التفاعل مع أي قضية تحدث في حينها، ويتم البت فيها دون الانتظار لجمع المبلغ.
فالقبيلة عندما يستغيث بها أحد من أبنائها، الذي تعرض لأحد الظروف الصعبة، ولاسيما قضايا «الرقاب»، فإن صندوق القبيلة «الخيري» أرى أنه السبيل الأمثل في حل مثل هذه الأزمات والمحن الطارئة التي قد تطول لولا الله ثم فعل هذا الصندوق. ومن أمثلة ذلك ما يتعلق بالحوادث المرورية التي يُتوفَّى فيها الطرف الآخر، ويقوم النظام بسجن المتسبب.
ويبقى سؤال لإخواننا القانونيين: هل الوزارة تسمح أو تمنح تراخيص لإقامة جمعيات تعاونية للقبيلة في مثل هذه الأمور؟
أوضح الكاتب المتميز في الشأن الاجتماعي عبد الرحمن بن رداد:
1- بعض صناديق القبائل قائمة منذ عشرات السنين، وتعتمد على مشاركة كل أعضاء القبيلة بمبلغ تأسيس، وأيضًا دعم سنوي عند الضرورة، ويقتصر على دية دم الخطأ فقط في حالة الوفاة. والتأمين عليه ملاحظات عدة، مثلما أورد المحامي/ عبدالله بن دحام. وأزيد بأن نسبة مشاركة التأمين تكون مقننة؛ فممكن في المرة الأولى 75 %، والمرة الثانية 50 %، والمرة الثالثة 25 %.
وأيضًا المبلغ المدفوع سنويًّا لشركة التأمين قد يكون بعشرات الألوف بينما صناديق الجماعة عند بعض القبائل ألف ريال، تزيد أو تنقص شيئًا يسيرًا.
2- المشكلة التي تقابل صناديق القبيلة حاليًا تتمثل في أمرين:
- لا بد من أن تكون هذه الصناديق معتمدة لدى الجهات الحكومية وإلا فإنها مخالفة لجمع الأموال بدون إذن.
- النقطة الثانية هي صدور الأوامر الكريمة بالسماح للمرأة بالقيادة.
كيف يمكن لها أن تستفيد من الصناديق القبلية، ولاسيما إذا تزوجت من خارج القبيلة، أو أحد أعضاء القبيلة تزوج من فتاة تقود السيارة من خارج القبيلة. أنا عضو في جمعية قريتنا التعاونية، وبفضل من الله تجاوزنا مثل هذه الإشكاليات.
وفصّل المحامي والمستشار بجامعة نائف للعلوم الأمنية عبد الله بن دحام، وقال:
أولاً: الشكر لأبي مازن لطرحه الجميل في مقاله عن دية العاقلة، وهل التأمين يحل محل دية العاقلة في المجتمع المدني؟
في الحقيقة، إن المقال تطرق للموضوع من جميع الجوانب.. إلا أن ما أود أن أقوله حول هذا الموضوع أن التأمين قد حل نسبة كبيرة من مشاكل الديات، خاصة في الحوادث المرورية دون غيرها.. ولكن هناك أمورًا أخرى لا يشملها التأمين، ولا يتحملها، إلا إذا كان قائد المركبة مؤمِّنًا تأمينًا شاملاً، وليس بمقدور أغلب الناس دفع رسوم التأمين الشامل.
هنا نرجع ونقول: إن التأمين الدارج والمعمول به بين أفراد المجتمع هو التأمين ضد الغير. ومن سلبيات هذا التأمين أنه لا يشمل من كان مصاحبًا لسائق المركبة في حال وفاته أو إصابته في الحادث.
وهنا يكمن دور دية العاقلة (صناديق القبائل) المعمول بها الآن. كما أن التأمين لا يشمل دية القتل الخطأ أو دية الأرش.
وللمعطيات السابقة فإن التأمين يحل ما نسبته 80 % من حوادث المرور، ولا يحل محل ما تتحمله العاقلة في ديات القتل الخطأ، ومبالغ الأرش، ورفاق السائق إذا كان التأمين ضد الغير.
والسؤال هو: هل للنساء عاقلة فنترك الموضوع للفقهاء ومَن لديه دراية بالإدلاء بدلوه في هذا المجال؟
وبرر الأستاذ سعد بن سحيم بالقول: في رأيي المتواضع، قد يكون ما أشار إليه كاتبنا أبو مازن هو الحل الصحيح بأن يكون التأمين إلزاميًّا على كل سائق سيارة، ذكرًا أو أنثى. وهو التزام بتعليمات الدولة. وهذا ما أشارت إليه قبيلتي في اجتماعها الأخير بهذا الشأن.
وأوضح أبو زيد فقال: القبائل للدم تختص بالقتل الخطأ، سواء بحوادث المركبات أو بغيرها. وعند صدور الحكم بالدية من المحكمة يُكتب في نص الحكم (يعود بالدية على عاقلته). وهي تشمل أي دية قتل خطأ تخص القبيلة، سواء ذكرًا أو أنثى.
وبيّن الأستاذ علي القبيسي الشهري من رواد المواقع الإلكترونية بقوله: جميل ورائع.. كتبت فأجدت فأصبت. العاقلة وغيرها كما كانت في الماضي، وما زالت، ولكن التأمين أصبح ضرورة لكل إنسان، رجلاً كان أو امرأة. فالزمن، وتغيُّر أحوال الناس، ووجود أنظمة.. تحتم على كل من يقود سيارة أن يؤمّن عليها.
أما صناديق الديات فهي لأمور ربما تكون كفيلة لصاحب الحادث حتى يدفع التأمين، ثم تعاد للصندوق. وهذا أمر تفرضه الحاجة والترابط المجتمعي بالقبيلة.