أحمد المغلوث
أسعدت تهنئة صاحب السمو الأمير بدر بن فرحان آل سعود وزير الثقافة الجميع، والتي جاءت في تغريده لسموه في حسابه بموقع تويتر باعتراف موسوعة «جينيس للأرقام القياسية بالأحساء كأكبر واحة قائمة تضم 2,5 مليون نخلة، تتغذى من طبقة من المياه الجوفية الضخمة وعبر 280 بئراً ارتوازية في العالم.
والمعروف أن هيئة التراث قد تولت مشكورة التعريف بالواحة كأحد مواقع المملكة المسجلة في قائمة التراث العالمي في الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، بجانب مدينة الحجر وحي الطريف في الدرعية وجدة التاريخية ومواقع الرسوم الصخرية في جبة والشويمس بحائل.
تجدر الإشارة إلى أن المملكة وإنجازاتها تحتل المركز الثاني عربياً في عدد الأرقام القياسية في «جينيس»، واعتراف هذه الموسوعة بواحة الاحساء تقدير كبير لكل من استوطن هذه المنطقة في الماضي والحاضر. وأشجار النخيل كما هو معروف من الأشجار المعمرة، وتعتبر من أقدم الأشجار التي عرفها الإنسان على مر الزمان، وتشير كتب التاريخ إلى أن عمر شجرة النخيل أربعة آلاف عام وأكثر، والجميل أن النخلة تتوالد من خلال فسائلها التي عادة ما تنقل من مكان إلى مكان بيسر وسهولة، وتتحمل برحابة صدر عملية نقلها من مكان إلى آخر. هذا الأمر ساهم في انتقالها من الاحساء إلى مختلف المناطق بل وحتى الدول. وهذا ما قام به الكنعانيون الذين كانوا يعيشون في موطنهم القديم بـ«الجرها» بالقرب من ميناء العقير التاريخي، وبعد رحيلهم وانتقالهم إلى وادي الرافدين والشام وفلسطين كانت فسائل النخيل دائما معهم يزرعونها بجوارهم.
وبعدها نقل أحفادهم «الفينيقيون» هذه الفسائل إلى العالم.. ومن هنا كانت النخلة وعلى مر التاريخ مصدر إلهام مهم، فأنت تجد سعفها ورسومها رموزا في جدارياتهم وأعمالهم الفنية والإبداعية الحرفية المختلفة. وتشير التقارير الموثقة والمنشورة في مختلف الكتب والدراسات إلى أن الاحساء كانت موطنها الأصلي. وكما هو معروف لخبراء وعلماء الزراعة وحتى المهتمين بالنخيل أنها أفضل أنواع التمور في الاحساء. فلاعجب أن تشتهر تمورها على مستوى العالم. ومنذ القدم عُرف عن الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- أنه يحب تمور الاحساء خاصة تمر (الخلاص)، وهذه معلومة يتوارثها الأجيال.. وكما هو معروف أيضاً للجميع كانت النخيل تشكل كل شيء بالنسبة لأبناء المنطقة وللمملكة المعطاءة، ويكفينا فخراً واعتزازاً بها أن شعار مملكتنا الحبيبة من ضمن عناصره «النخلة»، هذه النخلة الحبيبة كانت تشكل للآباء والأجداد الشيء الكثير. فمن جريدها وليفها صنعوا بيوتهم القديمة «البرستي»، ومن سعفها قاموا «بسف» المراحل والمناسف والقفف. وكان كل جزء منها له دوره المفيد في حياتهم اليومية، حتى أن طعم «المندى» وكذلك الخبز الحساوي الأحمر الشهير لا يطيب طعمه إلا عندما يخبز بتنور فيه «كرب» النخيل «، وماذا بعد روي عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شبَّه شجرة النخلة بالرجل المسلم لا يسقط ورقها. وذهب ابن الجوزية في تفسير ذلك أن سبب تشبيه النخلة بالرجل المسلم هو كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام .. وألف مبروك للوطن وللأحساء هذا الإنجاز الكبير والمستحق.