رجاء العتيبي
كتاب نظريات المسرح لـ(مارفن كارلسون) من أفضل الكتب التي نتوقّع أن تكون في مكتبة المتخصصين بالمسرح، وذلك لأهمية الكتاب في تأسيس مفاهيم نظرية لا يستغني عنها أحد.
المؤلف أشار في مقدمته إلى أنه في تتبعه التاريخي لنظرية المسرح من الإغريق حتى العام 2010م حسب ظهور طبعته الأولى، يركز على الأفكار التي توضح تفسيرات من سبقوه في هذه المهمة، بالتركيز على ماهية المسرح كيف كان وماذا أصبح؟ وهذه زاوية مهمة تعطي الكتاب أهمية أخرى وقيمة مضافة يعرفها القارئ عندما يبحر في الكتاب.
ويستعرض مارفن جدل الإغريق في ذلك الزمن عن الأخلاق كما نتجادل اليوم، وكأنهم بيننا، يقول أسخيلوس: «الشاعر مُعظّم للأخلاق»، ويتبعه في ذلك أرسطوفانيس. بينما يوروبيديس يرى، «أن الفن مهمته الكشف عن الحقيقة بعيداً عن القضايا الأخلاقية والدينية»، أما أفلاطون فيرى، «أن الفن يروي ويغذي العواطف بدلاً من أن يحد منها». ويشير مارفن إلى أن الإشكالية الأخلاقية تنبع من أصل النظرية الفنية القائمة على إشكالية مزدوجة، «كيف يرتبط الفن بالعالم، وكيف يرتبط الفن بالقيمة». ويرجع ذلك إلى نتائج خرج بها الباحث ويمسات من دراساته. بعكس أرسطو الذي أوجد وظيفة إيجابية للمحاكاة =الفن.
من اللافت أن مفهوم المحاكاة لدى أفلاطون يختلف جذرياً عن المحاكاة لدى أرسطو، نراه يحيلها إلى عالم المثل، مشيراً إلى أن الواقع هو نسخة ناقصة من عالم المثل المكتمل، أما أرسطو فيرى الواقع هو الأصل والمحاكاة تتشكّل في تفاصيله، بحيث يمكننا أن نحاكي الواقع «بما يمكن أن يكون». حسب تعبير أرسطو. وفي تقديري أن هذا أقرب إلى السنة الكونية، فالعالم هكذا يسير, والإنسان يمكن أن يحاكيه ليكون في منطقة الفن.
رغم أن مارفن استعرض جميع فصول كتاب (فن الشعر) لأرسطو في فصله الأول إلا أنه لم يذكر (الفطرة) التي تعد أهم مبدأ في المحاكاة، ولا نعلم لماذا أغفلها، يقول أرسطو: «فالمحاكاة فطرية يرثها الإنسان منذ طفولته ويفترق الإنسان عن سائر الأحياء في أنه أكثرها استعداداً للمحاكاة».
ليس علينا تجاهل هذه العبارة، فإذا كان الإنسان يمارس التمثيل بالفطرة وأن ذلك جزء من تكوينه، فهذا يعني أن التمثيل الذي يحاكي به الإنسان واقعه، يعني أنه يصنع عالماً مستقلاً به، وهي لفتة ذكية، بل عبقرية، من أرسطو أن استوعب عالماً آخر غير الواقع، وأطلق عليه الفن، تحيلنا إلى أن التمثيل حالة فنية أكثر من كونها واقعاً حرفياً، كنت أتمنى لو أن مارفن أشار لها، لأنه وبناءً على منهجه سيعطينا معلومات أخرى مثلما فصل في مصطلح التطهير.