عبده الأسمري
الثقافة مفهوم «نوعي» ومعنى «نخبوي» يقتضي «الشروط» ويحتم «التدقيق» ويرتهن للمهنية ويرتكن للاحترافية.. ويشترط «الخبرة» ويحتم «الإنتاج» ويسترعي الجودة ويستدعي الإجادة.
ومن المنطق المعرفي والمنطلق الاحترافي أن تبقى مساحات «الحرف» وساحات «الكلمة» في مأمن من الفضول ومعزل عن التطفل حتى تسمى الأسماء بمسمياتها وتنتمي العناصر إلى مجموعاتها.. ولتظل هنالك حدود وفواصل وعوازل بين معاني «الاستحقاق» ومهازل «النفاق» لننقي «المهنية» من شوائب الجاهلين ونصفي «المنطقية» من ترهات المتطفلين.
منذ سنوات صادفنا مجموعات من «الساذجين» الذين اقتحموا أسوار «الإعلام» وواجهنا كتائب تتبجح بالتهريج وتصدح بالترويج مطلقين على أنفسهم «المسميات المجانية» وهم لا يعلمون أنهم في دائرة «الإدانة الكاملة» التي تستوجب العقوبة المتكاملة حتى نحارب الجهل ونوظف الرقي ونؤسس المنطق.
عندما تم تضييق الخناق على مشاهير «السخف» وملاحقتهم لتطهير الإعلام منهم ظهروا في جبهة مماثلة حيث وقف الموبوءين بالرجعية والمبتلين بالعنجهية منهم منتظرين دورهم في قطار «العشوائية» وفي محطات «الفوضوية» ليكشفوا عن تزييف مخجل بأن هذا مثقف وذاك أديب لتجدهم يملأون تعريفاتهم بالشاعر والقاص والروائي والناقد والمسرحي وغيرها من الألقاب التي جعلت «الثقافة» في أزمة بين الانتماء والادعاء.
الثقافة اسم جامع يشترط مقومات «نوعية» ومقامات «حتمية» تحدد وسائل الانتماء إليها في ظل شروط لا تقبل «التأويل» ولا ترتجي «التطبيل» وفق إنتاج مقرون بالأدوات التي يمتلكها كل إنسان ينتمي لهذا الكيان وفي حين النقص والخلل في تحقيق «النصاب» الكامل من المهارات و«النصيب» المتكامل من الخبرات فإن المسألة تتحول إلى عملية «سطو» على قيمة المعنى و«تزوير» في هوية «المفهوم».
الثقافة المقترنة بالفنون الأدبية تقتضي تثقيفاً ذاتياً بأهمية الارتباط بها الكيان من حيث الإنتاج المعتمد على المهارة والموهبة والإتقان والاستنتاج المستند على القراءة والنقد والتحليل حتى تتكامل رؤية «التقييم» لمن يستحق المسمى وحتمية «التعتيم» على من لا ينتمي للمشهد.
انتحال الثقافة قضية «مؤرقة» يدان فيها «جاهلون» ويتورط فيها «فاشلون» وقعوا «ضحية» سذاجة للذات وحاجة للإثبات وهم لا يملكون «المؤهل الأدبي» ولم يخضعوا للتأهيل الثقافي الذي يجعلهم في مضمار الركض في هذا الميدان الذي يحتاج «أنفاساً طويلة» خلف لواء «التنافس» وتحت راية «التباين» وصولاً إلى «معايير» الانتصار.
ممارسة الثقافة سلوك أنساني بالمقام الأول ومسلك حضاري بالالتزام الأمثل للحضور في مواطن «الاحتراف» والانتهال من منابع «الإبداع» لصنع «المنتج الأدبي» وإخضاعه للمشاركة والتشارك بحثاً عن «مقعد» مستحق في منصات «الأدب» بمعيار «الفرق» الذي سيصنع مع الوقت «اقتدار» الفارق.
الدخلاء كثر والتصفية تستلزم حساً ثقافياً وإحساساً أدبياً ونبراساً معرفياً تمنع «التعدي» على الثقافة و«التجاوز» على الأدب للمضي قدماً في ضبط «لصوص» الكلمات و«سارقي» العبارات و«منتحلي» الصفات ووقف سواءتهم التي غيرت رداء «السواء» ولطخته بسوء المسلك.
هنالك من يدعي أنه مثقف ويلجأ إلى التحايل لتمرير الأباطيل وارتداء «قناع» الأدب بحثاً عن موقع بين «المثقفين» ممارساً للزيف متمرساً على التزييف لصناعة «الاحتيال» المبرمج سلفاً القاضي باللجوء إلى «الاعتراض» والإمعان في «الاختلاف» والعزف على وتر «النقاش» العشوائي واللعب على كرت «الجدال» الفوضوي حتى يوهم «الصامتين» أنه صاحب رأي ومالك قول فيما لو أن مثقفاً حقيقياً حاصره بسؤال ثقافي أو استفسار أدبي لانكشف أمره أمام الآخرين في أول اختبار.
الثقافة انتماء بين المثقف وهويته ونماء بين المنتج وغايته وعطاء من عمق الاطلاع إلى أفق الإبداع.. تظل منتجاتها تحت مجهر «النقد» وتبقى استنتاجاتها وفق جهر «الحياد» لذا فإن الادعاء في محيطها «سقوط» حتمي و»فشل» محتوم لكل من ارتبط بها من باب الحيل وترابط معها من حيث التوهم.. وفي النهاية {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} فالتخصص مطلب والاختصاص ضرورة.