محمد آل الشيخ
هناك شبه اتفاق بين شعوب الخليجيين -ما عدا دويلة قطر - أن عدونا الرئيسي والأول هو دولة الفرس الصفوية ودولة العثمانيين الترك. وأنا أرى أن دولة العثمانيين الجدد في تركيا الأخطر. دولة الفرس الصفويين بيننا وبينهم الاختلاف المذهبي الذي يشكل حائطاً عقدياً صلباً وحصيناً يجعل قدرتهم على اختراقه شعبياً مستحيلاً. بينما أن الترك العثمانيين هم ظاهرياً من أهل السنة، وجماعة الإخوان المسلمين منتشرة ولها مريدون، ويعتبر عثمانيو تركيا هذه الجماعة بمثابة طابور خامس لهم، حتى أن أحد دعاة هذه الجماعة نادى علناً وبوضوح إلى إنشاء حزب عثماني في ليبيا ليسهل استيلاء قوات الاحتلال التركية لليبيا. لذلك فإن كوادر هذه الجماعة هم في حقيقة الأمر خطر محدق بنا في منطقة الخليج. صحيح أن هزيمتهم النكراء في ثورات ما كان يسمى الربيع العربي كشفت دمويتهم وحدت من انتشارهم شعبياً، إلا أنهم ما زالوا يعملون في بعض مؤسسات الدول، خاصة في المؤسسات التعليمية، وفي تقديري أن هؤلاء -اعترفوا أو لم يعترفوا- يشكلون للأتراك العثمانيين خير معين ومُبشر بهم، حتى وإن أظهروا العكس تكتيكياً خوفاً ورياء. وأغلب هؤلاء لديهم في قضية الانتماء خلل في منتهى الخطورة مؤداه (أن الانتماء الأول للأمة وثانياً للوطن)، وإذا عدت إلى أدبياتهم القديمة والمؤسسة لأيديولوجيتهم ستجدهم يعتبرون الأوطان مجرد مكونات مؤقتة، وهذه المكونات يجب أن تذوب في الدولة التي يجب أن ينتهي لها انتماء المسلمين جميعاً؛ بمعنى أن الوطن ليس كياناً نهائياً، وإنما كيان مرحلي، يجب أن يتلاشى وينتهي في بوتقة (الأمة الإسلامية)؛ نحن بلا شك مسلمون، وننتمي إلى الأمة الإسلامية، ولكن الانتماء للأوطان القائمة يأتي أولاً، بينما أن الانتماء للأمة الإسلامية لا يتعارض مع انتمائنا لأوطاننا، إلا عند جماعات التأسلم السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان، ومن تفرع منها من جماعات.
قضية إلغاء الأوطان، والذوبان في الأمة الإسلامية، هي (المرتكز) الذي يراهن عليه أردوغان، ويستثمره في استقطاب الجماهير العربية، ومن خلاله يلج إلى الدول العربية، بما فيها دول الخليج، ليبني شعبيته، والترويج لمنتجاته التركية، على اعتبار أن تركيا كانت آخر معاقل دولة الخلافة، حلم المتأسلمين المسيسين الأول. والمضحك المبكي في الوقت ذاته أن تركيا أردوغان التي يبشِّر بها الإخوان كحل إسلامي، هي أبعد ما تكون عن الإسلام ومفاهيمه وتعاليمه. فدستورها الذي هو أبو جميع الأنظمة والقوانين فيها يدعو (للعلمانية) بوضوح، ويصر على فصل الدين عن المجتمع، وليس فيه أي إشارة إلى أن للدين، وتعاليم الشريعة الإسلامية مصدراً للقوانين. وفي تركيا أردوغان تُباح علناً كل الموبقات والمحرمات رغم أن جميع المذاهب والفرق الإسلامية تجمع على حرمتها. وفيها بيوت للدعارة مقننة، وتتقاضى الدولة من المومسات ضريبة على ممارسة البغاء. كما أن زواج المثليين من الذكور والإناث أمر مشروع، وتنظمه القوانين التركية، ويمتد ذلك إلى أن المثليين يتورثون ثرواتهم بعد الموت. والسؤال الذي يتهرب جماعة الإخوان من الإجابة عنه هو بالله عليكم هل تركيا أردوغان تعتبر دولة إسلامية؟.. ولا يغرنكم قولهم للتملص أن أردوغان يسعى تدريجياً لتغيير هذه الأنظمة والقوانين التي تنسف الثوابت الإسلامية حينما يُحكم سيطرته على دولته، فإلغاء العلمانية في تركيا مثل أن تلغي صلاة الجمعة في مجتمعاتنا.
مقاطعة المنتجات التركية، والثقافة التركية، وترسيخ العداء معها، أمر محمود، يفرضه علينا الحفاظ على الوطن، والدفاع عنه، هذه حقيقة لا يجادل فيها إلا عدو أو إخونجي، ولكننا يجب أن (نحاصر) بالقدر نفسه، وبحزم لا يعرف التهاون، دعاة الإسلام السياسي بمختلف أنواعهم وتفرعاتهم، فالقضاء عليهم أصبح أهم من مقاطعة تركيا، التي أصبحت منبع هذا الأمر الخطير والمدمر.
إلى اللقاء