محمد الباز
منذ حوالي 100 سنة أو يزيد، وضعت جامعة «هارفرد» أول منهجٍ أكاديمي للعلوم الإدارية، ومنذ بداية تدريس ريادة الأعمال أكاديميًا وحتى يومنا هذا، تُركز العلوم الإدارية على إدارة المشروعات القائمة، وتطويرها، وحل المشكلات كافة التي تعترضها، فمثلاً تجد أن الإدارة المالية للشركة تبحث دائمًا عن طرق لتأمين الموارد المالية اللازمة لتسيير المشروع، بينما إدارة الموارد البشرية تحاول البحث عن طرق لتعيين موظفين أكثر كفاءة، والإدارة الاستراتيجية تُركز أبحاثها حول مستقبل المشروع وطرق تطويره، وهكذا تقدم العلوم الإدارية حلولاً للجوانب الإدارية كافة المتعلقة بالمشروع.
لكن اليوم، ومع تطور بيئة ريادة الأعمال، وطبيعة المشروعات الجديدة، أصبحت الشركات الناشئة (startups) تتجه لدخول أسواق جديدة كليًا، لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت العالم في العام 2008، والتي ارتفعت على إثرها أعداد الشركات التكنولوجية حول العالم، ومن هنا ظهرت فجوة تتعلق بقدرة العلوم الإدارية على تقديم الأدوات كافة التي تحتاج إليها الشركات الناشئة الجديدة، على الرغم من أصالة هذه العلوم وامتدادها نحو قرن من الزمان.
مع تطور هذه الحاجة لجأ اثنان من الكُتاب، وهما «اليكس أوسترفالدر» و«ايف بينو» إلى وضع أداة مُخطط نموذج العمل التجاري «Business Model generation»؛ لتلبي حاجة رواد الأعمال في التخطيط لمشروعاتهم وشركاتهم الناشئة قبل إطلاقها، وقاما بتقديم هذا المُخطط في كتاب بعنوان «Business Model generation» في عام 2010.
ويُمكن تعريف هذا المخطط -باختصار- على أنه طريقة بصرية يتم استخدامها أثناء مرحلة التخطيط للمشروع، وذلك من أجل تدارك الوقوع في أي أخطاء أثناء عملية التنفيذ على أرض الواقع.
ومن هنا يتضح الفارق بين التخطيط للمشاريع التقليدية مثل: السوبر ماركت ومحلات الملابس والمطاعم، وبين المشاريع الناشئة الابتكارية، كتطبيقات الهواتف الذكية مثلاً؛ لأن المشاريع التقليدية المتعارف عليها لا تحتاج إلى بذل جهد كبير في التخطيط، فكل ما تحتاج إليه عند قيامك بتأسيس مثل هذه المشاريع هو دارسة سريعة للجدوى الاقتصادية، بعكس المشاريع الابتكارية الجديدة، والتي تحتاج إلى مزيد من التخطيط قبل الوصول لمرحلة دراسة الجدوى الاقتصادية.
هذا التطور في العلوم الإدارية من خلال مُخطط نموذج العمل غيّر الفكرة تمامًا من حيث خطوات تنفيذ المشروعات بين الماضي والحاضر، وأصبح نموذج العمل يبدأ من مراحل مبكرة، ويسبق خطة العمل ودراسة الجدوى؛ ليُقدم لنا معطيات متعلقة بكيفية تنفيذ المشروع، وإدارته، وطبيعة المنتج، والجمهور المستهدف، ثم تأتي دراسة الجدوى بعد ذلك مُكملة لهذه الخطوة؛ لتجيب لنا عن تساؤل في غاية الأهمية: إذا كنا سننفذ هذا المشروع بتلك المعطيات هل سينجح أم سيفشل؟!
وبالتالي يمكننا القول إن مُخطط نموذج العمل كان بمثابة الحلقة المفقودة في إدارة المشروعات بين الماضي والحاضر، فلم تعد الشركات الناشئة اليوم مجرد نسخه من المشروعات القائمة، بل أصبحت كل شركة ناشئة تبحث عن نموذج للربح، وطريقة عمل ملائمة لها خصيصًا.
في النهاية، هناك مقولة مُتعارف عليها في علم الإدارة، مفادها «إنك لن تستطع إدارة ما لا تستطع قياسه»، وبالتالي فبدون وضع مُخطط نموذج العمل في البداية لن تتمكن أي شركة من وضع خُطة سليمة، ولن تتمكن من إجراء دراسة جدوى مبنية على واقع حقيقي ومعطيات دقيقة. ولهذا فإن معرفة نموذج العمل اعتبرها من أولى الخطوات التي يجب أن يتعلمها رواد الأعمال قبل الإقدام على تنفيذ مشروعاتهم الناشئة؛ لضمان نجاح هذه المشروعات واستدامتها.