خالد بن حمد المالك
بدأت أمس الاجتماعات اللبنانية - الإسرائيلية لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين، ولاحقاً سوف يتم الاتفاق أيضاً على ترسيم الحدود البرية، وهذا التطور في العلاقات بين لبنان وإسرائيل يضعنا أمام مفهومين:
الأول: أن اعتراف لبنان بحدود الدولة الإسرائيلية المشتركة مع لبنان، هو بمثابة اعتراف لبنان بحق إسرائيل في حدود معترف بها من لبنان وفق ما يتم الاتفاق عليه بين الجانبين، وبذلك ينتهي الخلاف بين الجانبين على الأراضي المتنازع عليها.
والثاني: أن هذا الاعتراف يسقط ادعاء حزب الله بأنه حزب مقاومة وممانعة ضد إسرائيل، وبالتالي يحق للدولة اللبنانية الآن أن تنزع سلاحه، وأن يكون حق الدفاع عن لبنان حصراً بقوات الجيش اللبناني.
* *
لكن هذه التطورات والمستجدات لن تكون سبباً في تخلي حزب الله عن سلاحه، وتحوله إلى حزب سياسي، كونه يمثل ذراع إيران للتآمر على لبنان وسوريا وكل دولة عربية تقف ضد أطماع طهران في دولنا العربية، وسيبقى موقف حسن نصر الله كما هو بأنه لا يحق لكائن من كان أن يخلص لبنان من القوة العسكرية لهذا الحزب العميل، لأن بقاء الحزب دون احتفاظه بسلاحه سوف يشل قدراته العدوانية، ويفقده الأهمية في خدمة مصالح إيران في المنطقة، فضلاً عن أن لبنان لا يملك القدرات العسكرية التي تمكنه من استخدام القوة لتجريد الحزب من أسلحة القوة التي يملكها والتي أرهب وآذى بها المواطنين اللبنانيين، وبالتالي فهو باقٍ كما هو وفقاً لمعادلات وتوازن القوة بين الجيش وهذه المليشيا.
* *
وبحسب قراءتي المتجردة للحالة اللبنانية، فإن أحداً لا يجزم بأن الخلاص من القوة العسكرية لهذا الحزب سيكون قريباً وحاسماً، حتى مع زوال ادعاءاته بأنه وجد لمقاومة العدوان الإسرائيلي، بينما هو ومنذ عام 2006م يكتفي في مقاومته على خطابات أمينه العام حسن نصر الله، أي أن مواجهة إسرائيل إنما هي في حدود ما يقال إعلامياً لإلهاء الناس عن عجز حزب الله على المواجهة، إن لم نقل إنما هو تغطية من الحزب للتفاهمات التي تتم سراً بينه وإسرائيل على التعايش مع سياسة إسرائيل والقبول باملاءاتها، ضمن سياسة تل أبيب لفرض الهيمنة تحقيقاً لأمنها واستقرارها.
* *
وتأتي هذه الاجتماعات بين إسرائيل ولبنان متزامنة مع تطبيع الإمارات والبحرين لعلاقاتهما مع إسرائيل، وكأن هذه الاجتماعات ترسل إشارات على أن لبنان في مرحلة تقبل الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بخلاف ما يتم تداوله في أروقة السياسيين اللبنانيين، وتحديداً في حزبي حركة أمل وحزب الله، ومعهما الحزب الوطني الحر - حزب الرئيس اللبناني عون - من أن لبنان لن يعترف بإسرائيل، وهو ما يخالف التفسير الحقيقي لطبيعة هذه الاجتماعات الإسرائيلية - اللبنانية بخلاف ما تبثه حركة أمل وحزب الله مؤيدة من الرئيس اللبناني ميشيل عون.
* *
نحن لا نعترض على اعتراف لبنان بإسرائيل، سواء أكان اعترافاً كاملاً أو ناقصاً كما هو الآن من خلال المباحثات بين الجانبين لترسيم الحدود، وكما هو اعتراف قطر الناقص الذي تتبادل مع إسرائيل الزيارات والتعاون الاقتصادي، وافتتحت أخيراً معبداً يهودياً في الدوحة لإتاحة الصلاة فيه لليهود المقيمين في قطر، لكننا نعترض على إخفاء طبيعة التفاهمات والتعاون والتنسيق وعدم الإعلان عن أنه يتم منذ زمن بين العدو الإسرائيلي من جهة ودولة مثل قطر أو لبنان من جهة أخرى، وتخدير المعنيين بالقضية الفلسطينية بمعلومات مضللة عن حقيقة الأمر، ومن ثم اتهام الدول التي أعلنت عن تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مع أنها لم تتخل عن المطالبة بالحقوق الفلسطينية المشروعة، بأنها تخلت عن القضية.
* *
ما يهم اللبنانيين الشرفاء من كل هذه التطورات أن يتم نزع سلاح حزب الله، وأن يتحول هذا الحزب الذي يتآمر على لبنان واللبنانيين إلى حزب سياسي مثله مثل بقية الأحزاب اللبنانية، وأن يتخلى عن خدمة إيران في مطامعها وتآمرها على اللبنانيين والعرب، وبغير ذلك فسيبقى لبنان عصياً على الحل وعلى التوافق، وسيظل قنبلة موقوتة لانفجارات تتكرر، وفوضى لا تتوقف، ولسان حال كل لبناني يحب لبنان، ويتطلع إلى الاستقرار، وينظر بأمل إلى اقتصاد مزدهر، لسان حاله متى نتخلص من حزب الله، متى تتوقف العمليات الإرهابية التي يقودها هذا الحزب وأمينه حسن نصر الله؟!