ميسون أبو بكر
مسكين هو الشعب الفلسطيني المناضل الذي لم يتحمل تبعيّات الاحتلال الصهيوني فحسب بل تحمل من قياداته ما لم يتحمله شعب من قبل، فنشأ على كراهية الشعوب العربية وقياداتها وناصب جيرانه العداء لأنه كان يشعر بخذلان تلك الدول لقضيته رغم أنها لم تخذله؛ لكنه شعر بذلك نتيجة أن مواقف تلك الدول المشرفة لم تصله أخبارها، ومساعداتها الطائلة لم تكف جوعه وتحميه من التشرد والفقر والعوز ولم تصل جيبه، فلم تكن القيادة الفلسطينية أمينة عليه ليعرف منها ذلك، ثم كانت قراراتها في مباركة الغزو العراقي للكويت التي لطالما كانت الحضن للفلسطينيين وباب الرزق والوطن البديل إن لم يخنّي التعبير؛ ولما خذل موقف عرفات الكويت والسعودية لمّا منح دعمه الشيطاني للدولة الغازية - العراق- دون أن يلتفت لشعبه ومصالحه أو الجانب الإنساني؛ كانت الطامة الكبرى أن وسم الشعب الفلسطيني بعدم الوفاء ولو أعطيت وصفا أدق لقلت - الخيانة- لأنه خان البلد الذي فتح أبوابه له على مصراعيها، فقد أثار موقف قيادته من العداوات ما أثاره حتى وصلنا اليوم للحقد الذي يكنه البعض ضد الخليج وشعبه نتيجة ما زرع في نفوسهم. مكاشفات الأمير بندر بن سلطان على العربية فتحت أبواب جهنم على المغالطات التي ضُلل بها الشعب الفلسطيني ردحا من الزمن من قبل قادة لم يكن نهجهم الشفافية والصدق مع شعبهم ومشاركته قرارات مصيره، فرأينا وسمعنا المهاترات التي قام بها بعض الفلسطينيين على وسائل السوشيال ميديا ضد الشعوب الخليجية وتلك الحزازيات التي ظهرت نتيجتها الكراهية والحقد التي أظهروها وأجّجت الشعوب الخليجية ضدهم والتي لا تليق بمواقفهم المشرفة معهم والتي دعمت الفلسطينيين وقضيتهم، فشعور الفلسطينيين بالخذلان والفقر وعدم الوصول لحل مع المحتل منحهم مبررات عداوتهم.
ما صرح به الأمير السعودي والسفير السابق في واشنطن والذي كان طرفا في المفاوضات ووسيطا بين الفلسطينيين والأمريكيين في رئاسة عدد من الرؤساء الأمريكيين -الذين كان مقربا إليهم- كان يجب أن يُكشف عنها باكرا؛ لكن أخلاق السعوديين وعملهم الدؤوب بصمت دون منّة وإيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية جعلهم يمضون بصبر وإخلاص دون الحديث عن جهودهم ومساعداتهم المالية لفلسطين وإبرازها لهم. خاطب ذئب السياسة على شاشة العربية الشعب السعودي بما يليق بنزاهة حكامه وعطائهم ووجودهم العربي وما يليق بجهدهم تجاه القضايا العربية العادلة التي وقفت المملكة معها بتفانٍ؛ بالمال والمواقف السياسية الواضحة وبالجند أيضا حيث شارك سعوديون في حرب فلسطين ومنهم من قضى نحبه فيها، وقد خسرت المملكة ما خسرته عالميا من الأصدقاء والمصالح الشخصية لمواقفها لنصرة الشعب الفلسطيني وتضحيتها بالكثير لأجل فلسطين.
اللقاء مع الأمير جاء مدهشا، فقد كشف عن حقائق لم نكن نعرفها وعن فرص أضاعتها الرئاسة الفلسطينية التي لم تضع نصب عينيها مصلحة القضية والفلسطينيين وهي مستندات تاريخية من أبطالها من هو على قيد الحياة سردها الشاهد على العصر البندر. الفلسطينيون استأمنوا رئيس منظمة التحرير الفلسطينية على قضيتهم ولا أعلم أسباب المراوغة وتأخير الاتفاقات مع الطرف الآخر بوجود الوساطة الأمريكية ومتابعة حثيثة من السعوديين ومعهم أطراف عربية لها ثقلها في المنطقة. في طفولتي تفاجأت كما غيري بخبر زواج السيد ياسر عرفات بعد أن أكد مرارًا وتكرارًا أنه عازف عن الزواج بسبب القضية الفلسطينية التي تزوجها على حد قوله، وليس لي اعتراض على زواجه لأن هذا حقه الطبيعي والمشروع لكن صدمني أن يكتشف العالم عدم صدق ما ادعاه، وهذه خديعة أخرى للشعب الفلسطيني الذي لم يكن يوما طرفا في قضيته نتيجة إقصائه عنها، والأخبار المضللة التي كانت تصله، ثم أجبر على الاقتناع بأكاذيب فرضها عليه قادته وتسببت في عدائه للسعودية والإمارات والكويت التي مدت له أيديها، ووقفت بجانبه، ووقف يهتف لإيران وتركيا وكأن إيران تحرر القدس عن طريق حوثييها في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا، وتركيا التي يحكمها فرعون ثانٍ أضر بالبلاد والعباد وتوسع في أطماعه بعودة الدولة العثمانية في الشرق الأوسط، سرعان ما ارتمت القيادة الفلسطينية بالحضن الإيراني وهذا مخزٍ ومخجل ويكشف الكثير مما لا نعرفه بعد فعلى الشعب أن يتوقع تخبطات جديدة لقيادته قد ترجعه للوراء أميالا. ما يمكن أن يقال ما هو إلا طعنة في القلب لأن ما كشفه الشاهد على العصر يثبت غبن الفلسطينيين من قبل من ضللهم وكان سببا في عداواتهم مع شعوب تعلم صغيرها من كبيرها كيف يضحي بفسحته المدرسية لأجل فلسطين، وتبرعت النساء مرارا بحليها لدعم فلسطين وشعبها. كفيت ووفيت يا الأمير، شهادتك للتاريخ، فقد قلت كلمتك تاركًا أجراسًا تقرع في عالم الهذيان وانقلاب الموازين والخذلان والبهتان، وأدعو الله أن يفرج كرب الشعب الفلسطيني المطحون بألمه وهزائمه بسبب قياداته والاحتلال الذي لم ينته رغم كل المحاولات لإيجاد صيغة أو سلام ما. المفاتيح التي حملها أهلها من الفلسطينيين الذين تغربوا صدئت، والصكوك اهترأت وهمّ قادتهم سابقا ولاحقا جمع المال واكتناز المعونات في حساباتهم ولأهليهم دون أن تصل لمن يستحقها.
وما أقول إلا الله يخلف على الفلسطينيين.