سلمان بن محمد العُمري
الإنسان كائن اجتماعي بفطرته، مدني بطبعه، وتربطه العلاقات والصلات ببني جنسه، ولا غنى لأي إنسان عمن حوله من البشر، فكل له دوره ومهامه وأعماله وخصائصه ضمن منظومة البشرية، ولكن ما بين المسلمين ليس الروابط الإنسانية فحسب بل إن العلاقات فيما بين المسلمين مبنية على إيمان راسخ وعمل صالح يجمع بينهم وتشد بعضهم إلى بعض ويجعلهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم، كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى».
والعلاقة بين المسلمين لا تقوم على علاقة المصالح وتبادل المنافع بل هي أسمى من ذلك- على الرغم من وجودها من فئات نفعيين من البشر-، تقوم على قاعدة: حب لأخيك ما تحب لنفسك»، وقاعدة: «خير الناس أنفعهم للناس»، وقاعدة: «وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، وتكشف عنه كربه، أو تقضى عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن اعتكف شهراً.. الحديث»، هذه القواعد الإيمانية المتينة هي من توجيهات سيد البشرية المبعوث رحمة للعالمين.
ومن لوازم الحياة احتياج الناس لبعضهم بعضًا سواء بأداء الأعمال كل في مجاله، أو بالشفاعة عند الآخرين، وكما أن المال نعمة من نعم الله عز وجل.
ويجب على صاحبها أن يعترف بأن الله عز وجل هو المتفضل بها عليه، وأن يشكر هذه النعمة بالإنفاق منها في المواضع التي أمر الله بها عز وجل، فإن (الجاه) مثل المال نعمة أسداها الله عز وجل لصاحب الوجاهة، فعليه ما على صاحب المال من حقوق، ولذا فقد قال العوام فيما سبق «البخيل من بخل بجاهه».
إن الناس في هذا الأمر كحال أصحاب الأموال في ضروب وأقسام متباينة، فكما أن هناك البخيل والشحيح بماله، فهناك البخيل والشحيح بجاهه لا يذكر عنه معروفاً ولا خيراً، وهناك من يبذل جاهه في إصلاح ذات البين، وفي دعم مستحق وضعيف أو الدفاع عن مظلوم، وحاله كحال الغني الذي سخر ماله في رفد ودعم الضعفاء والمساكين، والغني المنفق، والوجيه الباذل في الشفاعة كل واحد منهم مرحوم -بإذن الله- جزاء رحمته بعباد الله، وكما رأينا من أمثال هؤلاء ممن رزقهم الله شمول النعمة والوقاية من السوء والبركة في المال والرزق والصحة والبدن والأهل والولد.
وبين هاتين الفئتين الممسك البخيل والباذل الجزيل في الشفاعات فئة متملقة هي الأسوأ وهي التي يقوم صاحبها بادعاء الشفاعة (والوساطة) التي يؤملك فيها بعضهم وهي سراب فيتعلق بها طالب الشفاعة بعد أن يمنيه (الكذوب) ويعده، ويستنزف مشاعره ويحلق به بعيداً، فإذا به يفوت عليه الفرص ويضيع عليه مطامحه وآماله بوعود كاذبة، والأدهى والمصيبة في ادعاء المعروف لو تم على يد غيره الخير فيدعي أنه من كان خلف الشفاعة وتحقيق المراد، ثم فئة أخرى أقل ضرراً وإن كانت خصلة سيئة وهي أن بعض من يقوم بالشفاعة يمن بما قام به، ويتبعها المن والأذى بأن يشهر بصاحب الحاجة ويردد ما قام به في كل مجلس ولربما استدل صاحبها في مواقف كثيرة بتذكيره بمعروفه وترديده ، وطلب المقابل لها.
ورسولنا النبي الكريم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه، فقال: (اشفعوا تؤجروا.. الحديث).