عثمان بن حمد أباالخيل
التقليل من شأن الإنسان أمر مرفوض عند الإنسان الذي يحمل الإنسانية في داخله، التقليل من شأن الإنسان دليل على عدم النضج الفكري، فكل إنسان له حدود عقلية وخبرة ودراية ومعرفة وموقف والتعميم على الكل طريق شاق وموحش. هناك مقولات وأمثال وحكم شعبية تفرض نفسها لجمالها وواقعها وملامستها للماضي وتطبيقها في الحاضر، وهناك أمثال شعبية أرفضها كل الرفض، فهي لا تمت إلى الماضي فكيف بالحاضر ومن تلك الأمثال الذي أكره سماعها (ما عندك ما عند جدتي). أكيد هذا المثل يطلق على من لا يفقه شيئًا، أو من يدلي بمعلومات خاطئة وهو بذلك يتساوى مع الجدّة.
الجدّة قبل ثلاثة عقود ونيّف أو ربما أربعة عقود وأكثر كانت جدّة مميزة بعطائها وحكمتها وحبها الذي يزن كنوز الدنيا، الجدّة التي غرست برفق وسقتنا بسخاء وحنان حتى ترعرعنا وارتفعنا. وعندما حان وقت الحصاد نقذفهن بما هو ليس موجود أصلاً بهن. وكما يقال، لا يؤلم الشجرة الفأس. ما يؤلمها حقاً أن يد الفأس من خشبها. ومن المؤسف أن يردد البعض هذا المثل في وقتنا الحاضر أتدرون من هي الجدّة الآن؟ الجدّة هي الاستشارية والمعلمة والأستاذة في الجامعة، هي ذات المنصب القيادي في القطاع الخاص والحكومة، الجدة هي معلمة الأجيال، هي المخترعة، هي عضو مجلس الإدارة، هي المثقفة، هي الروائية والقاصة، هي ربّت هذا الجيل، هي نصف المجتمع، بل هي المجتمع كله. بالتأكيد ليس هناك أدنى شك إنّ الجد يتميز بتلك الصفات النبيلة. لماذا هذا المثل يطلق على الجدّة؟ هل لأنها امرأة وليس على الجد هل لأنه رجل.
بيت الأجداد هو الملتقى الرئيس لكافة أفراد الأسرة؛ كبارًا، وصغارًا، ورجالاً، ونساءً، فالجميع يسعون إلى التواصل مع آبائهم الكبار من القدم فكيف ننسب هذا المثل للجدة الحضن الدافئ والقلب الحنون. بعض الأمثال تنطبق في الماضي فليس بالضرورة أن تطبق في الحاضر ولا يحق لنا أن نطبقها إذا كانت تنتقص من الإنسان. وكم من مثل شعبي لا يترجم الواقع. أتساءل هل المرأة مظلومة في أمثالنا الشعبية ولماذا هذا الظلم غير المبرر ربما الإجحاف في حق المرأة والجدة بالذات.
وتبقي الجدّة في الماضي والحاضر والمستقبل إن شاء الله هي عنوان المحبة والحكمة والدائرة التي تعيش داخلها الأسرة بكل طمأنينة. أري أن تخضع الأمثال واستخداماتها على الأقل في هذا العصر للتفكير والتدقيق قبل رميها كما هي دون معرفة ردة الفعل ووقعها على النفس، في الواقع الأمثال الشعبية تعكس حالة المجتمع في كل أحواله. عذرًا أيها الرجل تذكّر أن المرأة هي أمك وأختك وابنتك فلا تتناسي موقفك حين يحين وقت اللوم والعتاب. الجدّة شمس تشرق السعادة على هذا الكون فتنير ظلمته، الجدّة تبتسم في كل أحوالها فهي لا تريد أن تغيب الابتسامة عن وجوه من حولها.