محمد آل الشيخ
قبيل سنوات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة كانت الكتل الخرسانية تلقاك في كل ناحية من مدن المملكة الرئيسية، لتحمي الناس من العربات الملغمة للإرهابيين؛ ومن كان يزور الرياض حينها سيلحظ بوضوح أننا نتعامل مع عدو مراوغ يتربص بنا، لا ندري لا كيف ولا من أين سيأتي. ولا يكاد يمر شهر أو شهران إلا ويتم الإعلان عن عملية إرهابية، أو كشف خلية إرهابية مدججة بأنواع الأسلحة والمتفجرات.
وقد عانينا من هؤلاء الإرهابيين القتلة طوال أكثر من عشرين عاماً، وكانوا يُغذون الكراهية، وينتقدون الأوضاع الحياتية في المملكة، وكأن بلادنا تحولت إلى دولة لا تقيم للشرع الحنيف وزناً، ويتفشى فيها كل ما هو مناوئ لتعاليم الإسلام.
اليوم حلَّ الحزم والحسم محل المجاملة والتسامح، وصارت هيبة الدولة خطاً أحمر لا يتجرأ كائناً من كان على الاقتراب منه، ناهيك عن ملامسته. فقد أوقف كثير من أساطين الصحوة ودعاتها الذين كان لهم عشرون وجهاً، فيظهرون لنا الوجه المتسامح البشوش، وإذا خلوا إلى شياطينهم ومريديهم تحولوا إلى أداة تسعى بكل ما أوتوا من قوة إلى التحريض على هدم كل مظاهر الحياة المدنية، انطلاقاً من أنها تختلف مع تعاليم الإسلام، ومع ما يجب أن يكون عليه المجتمع المسلم.
كانت الأجهزة الأمنية ترصد كل تحركاتهم، وتفكك خطاباتهم، وتدرك ما يهدفون إليه. لكنها دائماً كانت تؤثر الصبر وتتوخى الأناة، عسى ولعل أن يثوبوا إلى رشدهم، ويدركوا أنهم لم ولن يكونوا أقوى من الدولة.
ثم أتى رجل اسمه (سلمان بن عبد العزيز) إلى سدة القمة السياسية، وكان قد حكم الرياض أكثر من نصف قرن، يعرفهم، ويعرف من يكونون، وماذا يريدون، فضرب فكانت القاصمة والقاضية، وكأنهم لم يكونوا، وإذا بجمهورهم الذين ظنوا أنه سند لهم يتركهم يواجهون قدرهم المحتوم.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق : كيف استطاع الملك سلمان القضاء على ظاهرة الصحوة الإرهابية بهذه السرعة الإعجازية؟.. السبب أنه -حفظه الله ورعاه- أعطى القوس لباريها، وأوكل المهمة إلى رجل شاب، لم يدخل قاموسه قط شيئاً اسمه التردد، رجل إذا قال فعل، وإذا تحدث أسمع، وإذا ناقش أقنع، وإذا عاقب أوجع؛ يعرف من أين تؤكل الكتف، وإذا تولى مهمة أنهاها، وحسمها وأصبحت ضرباً من ضروب التاريخ. عالج الأمير محمد قضية الإرهاب من خلال ثلاثة أمور، أولها : قاطع دويلة قطر ومنع القطريين من دخول المملكة، ومنع السعوديين من الذهاب لتلك الدويلة. ثانيها : أوقف دعاة وأساطين الصحوة، الذين عاثوا بفكرهم وخطبهم في كل مدينة وقرية، ومنع بعضهم من الخطابة وإلقاء المحاضرات منعاً باتا. وثالثها؛ فتح البلد، وألغى كل مظاهر التشدد وأصبحت مثلها مثل كل بلاد العالم، وأعاد للنساء حقوقهن التي سلبتها منهن الصحوة، وأقر الترفيه البريء، الذي كان الناس في غاية الحاجة إليه، وغني عن القول أن القضاء على الإرهاب شرطه الضروري أن ينفتح المجتمع على ثقاقات وفنون العصر.. بهذه القرارات الاستراتيجية الثلاثة، تغير كل شيء بين ليلة وضحاها، واستتب الأمن، وعادت هيبة الدولة، وعاش الناس في بلادهم فرحين مرفهين، مثلهم مثل كل عباد الله. وثبت للمرة الألف أن القرار الشجاع لا يقدم عليه إلا الرجل الشجاع، ولعل أهم ما انتهت إليه هذه القرارات أن الإرهاب، ومعه خطاب البغضاء والكراهية، تلاشى وانتهى إلى غير رجعة.
وختاماً أقول: كل ما تقدم كان قرارات جريئة عاصرناها وقطفنا أول ثمارها، وسوف تتحدث عنها أجيالنا المقبلة كثيرأ.
إلى اللقاء