عبده الأسمري
طاهر «الروح» باهر «البوح».. قائد «لواء» الأدب في ميادين الأولويات.. ورائد «عطاء» الثقافة في مضامين البدايات..
سادن «الحرمان» وخازن «العواطف» الذي حول الشعر إلى «سلوك» أدبي وبدل «الشعور» إلى «أسلوب» ثقافي فكان فعله الماضي منصوب بفتح «الهمة» وفاعله ضمير حاضر تقديره «هو» لتكون جملته الفعلية متاحة للإعراب في خضم «الاغتراب» الحتمي ووسط همم «الانتساب» الذاتي مشكلاً «ظاهرة» بشرية من الإبداع.. ظلت «لغزاً» محيراً بلغة «الانفراد» وعزاً مسيراً بناتج «التفرد»
إنه الشاعر والأديب الشهير طاهر زمخشري رحمه الله أحد أبرز الأسماء الأدبية والثقافية محلياً وخليجياً.
بوجه أسمر واسع الوجنتين وتقاسيم مكاوية تعلوها الابتسامة وعينين لامعتين وملامح تسكنها معالم النباغة وتملؤها نظرات البلاغة.. وكاريزما جادة تتوارد من محيا فارع القوام عامر الهيبة مع أناقة بيضاء تعتمر اللبس الوطني المشكل المتكامل مع شخصية حجازية تتوشح البساطة وصوت جهوري الصدى وجوهري المدى تتقاطر منها مفردات بارعة تكاد ترى بالبصر وتتسطر منه انفرادات بديعة تتخذ من الشعر عنواناً ومن المشاعر كياناً ولغة مهذبة راقية الأداء زاهية التعامل قضى زمخشري من عمره عقوداً وهو يؤسس للأجيال «أعمدة» الأصول ويكتب للامتثال «أجندة» الحلول. وينشد للوطن «قصيدة» الوفاء ويبقي للأدب «وصية» الاستيفاء. واضعاً اسمه في متن «الأوائل» جاعلاً من الثقافة همه والحصافة همته مشعلاً «الضياء» في ردهات «المصاعب» مشخصاً «الداء» في صراعات «الأحزان» واصفاً «الدواء» في وصفات «القصائد..
في حارة الفلق بمكة ولد وتفتحت عيناه على مواسم «البسطاء» ومراسم «الأوفياء» وهم يملأون الليالي المكية بعبير «الجيرة» ونقاء «السريرة» وتعتقت أنفاسه بطهر «المكان» وامتلأت روحه برياحين الطمأنينة واعتمرت نفسه نسائم السكينة فنشأ مخطوفاً إلى «أثمان» الأمان في حجر «إسماعيل» وسلوان «الاطمئنان» في مقام «إبراهيم» وعطايا الغفران في محيط «الحطيم».
هرول زمخشري بين أحياء أجياد وشعب عامر وجرول باحثاً عن «إجابات» لنبوغ استعمر وجدانه باكراً. ثم استقر مع أسرته في حارة «القرارة» مرافقاً دائماً لوالده أثناء دوامه في المحكمة الشرعية..
صدم مبكراً بانفصال والديه فتوزع قلبه بين المدينة المنورة حيث انتقلت إليها أم كريمة كانت سر «حنانه» ومكة موطن النشأة والتي بقي فيها والد عظيم كان جهر «امتنانه» فتجرع «اليتم» الجزئي واقتسم الويلات بعدها في محطات متتالية تمثلت في وفاة أبيه وأمه ورحيل زوجته باكراً واحتضانه للمرض وارتهانه للفراق.. مما جعله «ثاوياً» في دوائر الهموم ومدارات الغموم فكان «الشعر» أنيسة و«الصبر» سلوانه و«الشكر» عرفانه و«السهر» عنوانه ليجابه «الآلام» بسطوة «الآمال» وسلطنة «الأفعال».
درس زمخشري في كتاب عبدالمعطي نوري بحارة الباب ثم التحق بمدارس الفلاح وتوظف عام 1349 في لجنة إحصاء النفوس ثم مدرساً في دار الأيتام بالمدينة المنورة عام 1350 ثم كاتباً ومصححاً بالمطبعة الأميرية وجريدة أم القرى عام 1351 ثم سكرتيراً بأمانة العاصمة المقدسة ثم أسهم في تأسيس بلدية الرياض وتعين سكرتيراً بها 1361، ثم عمل ببلديتي الخرج والليث وتعين سكرتيراً بديوان جمارك وزارة المالية عام 1367 ثم كاتبًا في الإذاعة منذ تأسيسها في عام 1368 ثم مذيعاً ومقدم برامج ثم مراقباً عاماً للبرامج الإذاعية وتم تعيينه رئيساً لتحرير صحيفة البلاد ثم تقاعد في عام 1389هـ ثم تفرغ للأدب والشعر إلى آخر حياته.
عرف بلقب (بابا طاهر) وقدم برنامجاً إذاعياً يحمل اسم (ركن الأطفال وأسس «الروضة» أول مجلة أطفال سعودية وأًصدر منها 27 عدداً وكان صاحب أول ديوان شعري مطبوع في الشعر السعودي الحديث، وهو ديوان أحلام الربيع الصادر عام 1946م، عاش الزمخشري حياة الغربة وأقام طويلاً في مصر ثم انتقل إلى تونس حيث كرمته الحكومة التونسية ومنحته وسامين في عامي 1963م و1973، كما مُنح جائزة الدولة السعودية التقديرية في الأدب لعام 1984 صدر له 30 ديواناً شعرياً وغيرها وترجمت بعض قصائده إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية وخصص العديد من الباحثين دراسات عليا ونقدية وبحوث في جامعات سعودية وعربية عن شعره وأدبه وسيرته.. قام بتأسيس أول فرقة موسيقية محلية أسهمت في تقديم الأناشيد الوطنية أعد وقدم عشرات البرامج المتلفزة والإذاعية ويعد من رواد كتابة النص الغنائي في السعودية حيث كتب كلمات نحو 200 أغنية وقد ألفت عن مسيرته عدة كتب.
انتقل زمخشري إلى رحمة الله في مايو 1987 وووري جثمانه مقابر المعلاة بمكة المكرمة.
طاهر زمخشري السفير الثقافي فوق العادة الذي كان وسيظل تاريخاً أدبياً في قلب «الأثر» وترسيخاً معرفياً في قالب «التأُثير».