د. إبراهيم بن عبدالله المطرف
تعني «المواطنة» في أبسط معانيها الارتباط بالأرض والولاء للوطن. وعلى الرغم من أن مفهوم «المواطنة» ارتبط دائماً بالجنسية التي يحملها الفرد، إلاّ أنها باتت غير كافية للدلالة على معنى المواطنة، فقد يكون «جواز السفر» أو بطاقة الأحوال المدنية» أو «واقعة الميلاد» وفقاً للأنظمة والقوانين، أساساً لمنح الجنسية، إلاّ أنها دون شك، ليست كافية لتحقق معنى «المواطنة»، الذي أصبح أوسع نطاقاً، وأكثر شمولاً من مجرد حمل جنسية دولة ما.
فمفهوم «المواطنة» يتضمن الشعور بالانتماء والوحدة الوطنية، وكما أن «المواطنة» ترتب منظومة من الحقوق الأساسية للمواطن، أهمها الحصول على جنسية الوطن والملكية الخاصة، والتعليم والرعاية الصحية، والعمل والضمان الاجتماعي وغيرها من الحقوق الأساسية، فإنها تنطوي في الوقت نفسه على الاحترام المتبادل في علاقة المواطن بالدولة التي ينتسب، بل «ينتمي» إليها. فولاء الفرد وانتمائه للوطن، لا يولد معه، وإنما ينمو تدريجياً مع إدراكه لما تبذله الدولة من جهود لخدمته وخدمة مواطنيها ورعايتهم.
ومن هنا فإن غياب الشعور بالانتماء، يعني تلقائياً أن المواطن لن يؤدي ما عليه من واجبات، وربما يتقاعس عن الحصول على حقوقه. كما أنه لا يكفي أن تتوافر للدولة أركانها ومقوماتها التي تكفل لها السيادة، وتقوم على صيانة أمنها، وإنما يجب أن تتوافر للدولة الخصائص الحضارية كإطار أوسع للولاء والانتماء.
ولا يمكن إقامة هذه العلاقة العضوية «المواطنة» بين الفرد من ناحية، و»الوطن» من ناحية أخرى، دون وجود الطرفين، المواطن والدولة، أي لا بد من وجود المواطن، الفرد/ الإنسان الذي يشعر بالانتماء، ومن ثم الدولة، المسؤولة التي ترعى المواطن، وتكون قادرة على الوفاء باستحقاقات «المواطنة».
وتنطلق «المواطنة الفاعلة» من رؤية شاملة لدور جمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي السعودية، ومن الحاجة إلى تعزيز كافة الجهود والمبادرات التي ترمي إلى تأكيد «الهوية الوطنية» وترسخ قيمة «المواطنة» في المجتمع، من خلال تفعيل المبادرات الوطنية، مثل مبادرتي «كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمن الفكري» و»كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للوحدة الوطنية» وهما المبادرتان اللتان نطمح الى ترجمة عملية لكلاهما.
كما تنطلق «المواطنة الفاعلة» من تأكيد برامج الحوار المحلية التي يأتي على رأسها ما يخرجه «مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني» من برامج واقعية تحقق الأهداف والتوجهات، ومن خلال تعبئة وحشد كافة الطاقات الوطنية، لعمل مشترك ومتواصل في خدمة توجهات قادة البلاد، ومن خلال عملية التنمية الوطنية الشاملة، مع تأكيد الدور المحوري للتنمية الثقافية، والذي لا يمكن لجهود التنمية الشاملة أن تؤتي ثمارها بدونه، وبمعزل عن تربية سلوكية تغذي مفهوم «المواطنة» وهو ما يؤكد دور التنمية الثقافية في ترسيخ السلوك اليومي للمجتمع، لتصنع من الهوية الوطنية آلية لدعم توجهات المجتمع، وبرنامجه للعبور إلى المستقبل.
ومن بين الأهداف الاستراتيجية التي ينبغي أن نسعى إليها محلياً هو العمل على رفع مستوى الوعي العام لدى المواطنين، وتطوير معرفتهم بقضايا الأمن الفكري والوحدة الوطنية، إضافة إلى العمل على تحصينهم وحمايتهم من الأفكار الضالة والهدامة التي تهدد وحدة البلاد، وتحصين الشباب خاصة، وكافة فئات المجتمع بشكل عام، ضد مختلف النزعات الفكرية الخارجة، المناوئة لقيم وتقاليد المجتمع السعودي، وللإسهام في الجهود التي تهدف إلى حماية المجتمع وأفراده من حملات الغزو الثقافي والفكري، التي تسعى إلى إضعاف مناعته الفكرية والثقافية، والنيل من مكانة الوطن وموقعه الإقليمي والدولي في تحقيق هدف «المواطنة الفاعلة».
ونختم بالتأكيد على أن «المواطنة الفاعلة» تتطلب تعزيز الهوية الوطنية، ومواجهة نزعات الانتماء الفرعي الضيق، الذي يؤدي إلى التعصب والانغلاق وإلى إضعاف روح الانتماء الوطني، الانتماء الذي يقودنا إلى تعزيز روح الولاء للقيادة السياسية لدى الجماعات والأفراد، وحشد وتعبئة الموارد الفكرية والثقافية والطاقات الشبابية، تفعيلاً لهذا التوجه الوطني.