عبد الله بن صالح العقيل
من المعلوم أن الرس كانت بئراً موجودة في العصر الجاهلي، أي في عام 433 ميلادية، قبل بعثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بحوالي 190 عاماً، وكانت الأعراب تردها كثيراً لتروي أنعامها.
وقد ورد ذكرها في أشعار الشعراء الجاهليين، ثم نشأت حول البئر منازل تسكنها الحاضرة، وقد درست تلك المنازل فترة من الوقت وكانت أطلالاً يتغنى بها الشعراء. من تلك الأشعار ما قال زهير بن أبي سلمى يصف تلك الأطلال الدارسة, وقد ذكر الرس والرسيس وعاقل, وكلها موجودة حالياً بأسمائها القديمة:
لمن طلل كالوحي عاف منازله
عفا الرس منها فالرسيس فعاقله
كما قال زهير بن أبي سلمى أيضاً وهو يصف الضبا أو الحمير الوحشية التي تسرح وتمرح حول أراضي الرس:
بكرن بكوراً واستحرن بسحرة
فهنّ ووادي الرس كاليد للفم
كما أنه في هذا التاريخ 433 ميلادية استوطن بنو كندة في (بطن عاقل) فترة من الزمن -وكان إذا أطلق ذلك فهو يعني الرس- وكان يحكمهم حجر بن الحارث آخر ملوك كندة في بطن عاقل. وبعدما استوطنه الحارث زمناً طويلاً وكوّن فيه مملكة كبيرة ذات حضارة واسعة وجمع أموالاً كثيرة وكثر الناس حوله. وبعدها أغار عليه بنو أسد فقتلوه وشردوا مَن بقي من قومه، حتى الملك الضليل امرؤ القيس هام على وجهه هارباً من بطشهم وهلك، وقد وثّق الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة العامري تلك الحادثة بقوله:
والحارث الحراب خَلّى عَاقلا
داراً أقامَ بها ولم يَتَنَقّل
تجري خزائنه على من نابه
مجرى الفرات على فِرَاضِ الجدول
حتى تحمل أهله وقطينه
وأقام سيدهم ولم يَتَحَمّل
كذلك قال عبيد بن الأبرص من بني أسد أبياتا في زوال ملك الحارث وهو ممن عاصر مُلك بني كندة وشاهد زوال مملكتهم:
فانظر إلى فيء ملك أنت تاركه
هل تُرْسِيَنّ أواخيه بأوتاد
اذهب إليك فإني من بني أسد
أهل القباب وأهل الجود والنادي
وأقول: يوجد حالياً من بقايا مملكة كندة دلائل من الآثار والأحجار والنصوص الواضحة والمشاهدة حالياً بجوار بطن عاقل في الجهة الشرقية من الرس، وتوحي هذه الكتابات والرسوم أن بطن عاقل والرس كانتا عامرتين بالحياة من حضارة بني كندة ثم حضارة بني أسد وفيهما من العمران والمزارع ما الله به عليم، كذلك يوجد حالياً بجوار الكتابة بئر ماء مطوية وقديمة طمرتها الأتربة، مما يدل على أنهما كانتا موردين مُهمّين لتلك القبيلة التي كان لها الغلبة والسيطرة على القبائل الأخرى.
وأخيراً رحل بنو منقذ من بني أسد من الرس إلى العراق بسبب الجدب وبحثاً عن الكلأ لأنعامهم، حالهم في ذلك حال أمثالهم من الأعراب الرحّل.
تحدث الأستاذ الدكتور عبد العزيز الغزّي في كتابه (مملكة كندة في وسط الجزيرة العربية) عن مملكة كندة الواقعة في بطن عاقل قرب الرس في حديث طويل قال (ص 13):
(تفيد الروايات التاريخية والأشعار الجاهلية أن بطن عاقل هي عاصمة مملكة حجر آكل المرار الكندي الذي يعده أكثر المؤرخين المؤسس لمملكة كندة، وبخاصة العهد الذي تعرف عنه تفاصيل تاريخية وهو ما أطلقنا عليه عهد كندة الثالث. وفيما يخص عاصمة مملكة كندة في وسط شبه الجزيرة العربية فهي بطن عاقل. ولم أجد خلافاً بين المؤرخين القدماء والمحدثين على ذلك).
أقول: بطن عاقل لا يزال باسمه القديم (عاقل) ويسميه أهل الرس (العاقلي)، وهو في الجهة الشرقية من وادي النساء حالياً قبل التقائه مع وادي الرمة في القصيم. وبعد أن يقترن مع شعيب الإرطاوي, وهو مكان الرحلات البرية لأهل الرس الذين يعشقون التنزّه في بطن الوادي. ويقع في الجهة الشرقية من محافظة الرس, بينهما حوالي (8) أكيال فقط. ويوجد فيه حالياً آثار المملكة العظيمة من بقايا المنازل المتهدّمة والآبار والنقوش المنوّعة التي تدل على وجود مملكة واسعة لها حضارة كبيرة.
وقال المؤلف الغزّي:
(بالنسبة إلى موقع بطن عاقل الذي كان مقراً للملك الكندي وعاصمة لمملكته فيحددها البلدانيون والمؤرخون على أنها تقع على وادي الرمة. وبهذا الصدد يذكر ياقوت الحموي, عاقل: بالقاف واللام, بلفظ ضد الجاهل, وهو من التحَصّن في الجبل, يقال: وعل عاقل إذا تحصن بوزره عن الصياد, والجبل نفسه عاقل أي مانع. وعاقل: واد لبني أبان بن دارم من دون بطن الرمة وهو يناوح مَنْعِجَا من قُدّامه وعن يمينه أي يحاذيه. قال ذلك السكري في شرح بيت جرير:
لعمرك لا أنسى ليالي منعج
ولا عاقلاً إذ منزل الحي عاقل
وقال ابن السكيت في شرح قول النابغة حيث قال:
كأني شددت الكور حيث شددته
على قارح مما تضمن عاقل
وقال لبيد بن ربيعة:
تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما
وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر؟
ونائحتان تندبان بعاقل
أخا ثقة لا عين منه ولا أثر
قال نصر: عاقل رمل بين مكة والمدينة. وعاقل: جبل بنجد. وعاقل: جبل لبني أبان بن دارم. عاقل: واد في أعاليه إمرة. وفي أسافله الرمة, وهو مملوء طلحا. وبطن عاقل: موضع على طريق حاج البصرة بين رامتين وإمرة.
ودوّن الأندلسي: «وقال يعقوب: الرس والرسيس: واديان بقرب عاقل فيهما نخل. وعاقل: واد يمر بين الأنعمين وبين رامة حتى يصب في الرمة, قال لبيد:
طلل لخولة بالرسيس قديم
فبعاقل فالأنعمين رسوم
ودوّن الأندلسي: «عاقل بكسر القاف على وزن فاعل, قال عمارة: هو ماء لبني أبان بن دارم من وراء القريتين. وقال الطوسي عن شيوخه: عاقل جبل كان يسكنه حجر أبو امرئ القيس, قال أحد المعمرين:
وأعقل حجرا ذا المرار بعاقل
وأيام بكر إذ تعاوت وتغلب»
ويقول النمر بن تولب العكلي, شاعر جاهلي:
بين البديّ وبين برقة ضاحك
غوث اللهيف وفارس مقدام
ومقابر بين الرسيس وعاقل
درست وفيها منجبون كرام
ويكمل الدكتور عبد العزيز الغزي حديثه عن مملكة كندة فيقول: ولقد ناقش محمد بن ناصر العبودي موقع بطن عاقل مستفيداً من مصادر شتى وبخاصة معجمي الأندلسي والحموي والدواوين الشعرية الجاهلية والإسلامية, وبعد مناقشة مستفيضة توصل إلى أن العاقلي المعروف اليوم في القصيم هو عاقل المعروف في الجاهلية, الذي فيه كانت تقوم عاصمة مملكة كندة.
وقال العبودي في كتاب (بلاد القصيم 4 / 1524) « العاقلي: واد كبير منخفض المجرى لذلك يسميه الأقدمون (بطن عاقل) يمر إلى الجنوب الشرقي من مدينة الرس على بُعد حوالي ثلاثة عشر كيلاً. يبتدئ سيله من جهة جبل كير وماء الركا, ويمتد مجراه من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي، حتى يصب في وادي الرمة قبل أن يصل إلى البدائع, ويصب فيه عدة روافد منها الأرطاوي ووادي دخنة الذي كان يسمى قديما «منعج» وهو قديم التسمية بل مشهور في القديم، إلا أنه كان يسمى عاقلاً, فكأن المتأخرين نسبوه إلى اسمه القديم فقالوا «العاقلي».
ودوّن الأندلسي: « وقال يعقوب: الرس والرسيس: واديان بقرب عاقل فيهما نخل. وعاقل: واد يمر بين الأنعمين وبين رامة حتى يصب في الرمة, قال لبيد:
طلل لخولة بالرسيس قديم
فبعاقل فالأنعمين رسوم
ودوّن الأندلسي: « عاقل بكسر القاف على وزن فاعل, قال عمارة: هو ماء لبني أبان بن دارم من وراء القريتين. وقال الطوسي عن شيوخه: عاقل جبل كان يسكنه حجر أبو امرئ القيس, قال أحد المعمرين:
وأعقل حجرا ذا المرار بعاقل
وأيام بكر إذ تعاوت وتغلب»
ويقول النمر بن تولب العكلي, شاعر جاهلي:
بين البديّ وبين برقة ضاحك
غوث اللهيف وفارس مقدام
ومقابر بين الرسيس وعاقل
درست وفيها منجبون كرام
وقال زهير أيضاً وقرن ذكره بذكر الرسيس:
كأن بغلان الرسيس وعاقل
ذرا النخل تسمو والسفين المقيرا
وختم الغزي حديثة بقوله (يتضح مما تقدم أن عاقلاً اسم مشهور قصده الشعراء فجاء على ألسنتهم كثيرا فوصفوه وضربوا به المثل بالمَنَعة, وربما أنه استمد جزءاً من منعته ممن سكنوه وأخص الكنديين منهم).
وأقول: إن موقع مملكة كندة موجود حالياً في بطن عاقل بين محافظة الرس ومحافظة البدائع، على ضفة وادي الرمة العظيم من الجهة الجنوبية. وهو يحكي تاريخ الرس القديم منذ ألف وستمائة سنة مضت وهو يتعرّض الآن للتعديات الجائرة من أصحاب المزارع والأنعام الذين يقربون منه ويعتدون عليه، وقد يؤدي الاعتداء إلى تدمير النقوش والرسوم وإزالة الأحجار الكبيرة التي بنيت منها المنازل وتدمير الآبار والقبور الموجودة فيه منذ مئات السنين.
لذا أهيب بالجهات المسئولة في القصيم مثل الهيئة العامة للسياحة والآثار وغيرها من الجهات التي يعنيها ذلك في المنطقة بالمحافظة عليها من العبث والتدمير. مع العلم أنه يوجد حالياً في الموقع بدايات لتلك التعديات ويستطيع من يزورها أن يشاهدها بوضوح. والله من وراء القصد.