عمرو أبوالعطا
قبل أن نتكلم عن احتمالية انتشار الموجة الثانية لفيروس كورونا، سنذكر المراحل التي ظهرت فيها الإنفلونزا الإسبانية، وتعتبر الإنفلونزا الفيروس الثاني الأكثر دراسة في العالم، بعد فيروس العوز المناعي البشري HIV، فقبل أكثر من قرن أودت الإنفلونزا الإسبانية عام 1918م بـ50 مليون شخص حول العالم. سُمي الفيروس بالإنفلونزا الإسبانية لأن الصحافة الإسبانية كانت بين أول من تحدث عن المرض في أوروبا في مايو 1918م. هذا الفيروس الوبائي الشرس، الذي لم يعرف سببه آنذاك رغم رصده أول مرة في الولايات المتحدة في مارس في نفس العام.
على ثلاث موجات وخلال عامين فقط انتشرت الإنفلونزا الإسبانية، الموجة الأولى ظهرت في النصف الشمالي من الكرة الأرضية في ربيع عام 1918م. وتسببت في عدد قليل من الضحايا وبدت إلى حد كبير مثل الإنفلونزا الموسمية، ومع الهدوء الذي يسبق العاصفة حيث ظهرت بشكل مفاجئ سلالة أخرى متحولة من فيروس الإنفلونزا الإسبانية كانت أخطر من تلك التي عرفها الجميع لاحقا واندلعت الموجة الثانية في أواخر أغسطس من نفس العام، وهذه المرة كانت أكثر ضراوة وحدثت خلالها غالبية الوفيات البالغ عددها 50 مليونًا في الأسابيع الثلاثة عشر بين منتصف سبتمبر 1918م ومنتصف ديسمبر، أما الموجة الثالثة والأخيرة فقد وقعت في الأشهر الأولى من عام 1919م واستمرت حتى الربيع، وكانت أقل شدة من الموجة الثانية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن عدد الموجات وتسلسلها الزمني تختلف بين نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي.
فيروس الإنفلونزا الإسبانية كان الأشد فتكا من بين كل الفيروسات التي ظهرت حول العالم، وأوضح الكاتب توم ستانديج في كتابه «معرفة غير شائعة»، أن العالم تعرض إلى 15 جائحة خلال السنوات الـ500 الأخيرة، لم تقترب واحدة منها من درجة خطورة الإنفلونزا الإسبانية، علما بأن الحصر المنظم لعدد ضحايا تلك الجوائح بدأ فقط منذ أواخر القرن التاسع عشر، فتحديدا منذ عام 1899، لم تقتل أي جائحة أخرى أكثر من مليوني إنسان، ولم تزد نسبة الوفيات إلى عدد المصابين عن 0.1 %، لكن الأمر يختلف تماما بالنسبة لإنفلونزا عام 1918، حيث بلغت نسبة الوفيات بسببها ما بين 5 إلى 10 %.
من خلال ما ذكر، يمكن الإشارة إلى أنّ المرحلة الثانية من الإنفلونزا الإسبانية كانت أكثر فتكاً من المرحلة الأولى، وهذا ما يُخشى منه اليوم مع تزايد الحديث عن موجة ثانية مرتقبة من فيروس كورونا المستجدّ.
يفصلنا شهر عن الذكري الاولي لانتشار فيروس كورونا منذ ظهور أول حالة حاملة للفيروس في مدينة ووهانا الصينية بمنتصف نوفمبر 2019م، وبعد ذلك انتشر إلى مدن العالم، متسببًا في ضحايا كثيرة من حيث الإصابة والوفيات، والتي وصلت أعداد حالات الإصابة الفيروس لأكثر من 39 مليون حالة إصابة، وأكثر من مليون حالة وفيات.
فيروس لا يفرق بين شاب أو عجوز أو طفل، رجل أو امرأة، ومع انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، ومعاودة معدلات الإصابة بالفيروس في الارتفاع في جميع أنحاء أوروبا وبلدان أخرى حول العالم، يتسلل إلينا الشعور بالقلق من حدوث تفشي كبير آخر، ويبدو أن الطريقة الوحيدة لوقف الانتشار هي ابتكار لقاح يقضي على هذا الوباء.
ما حدث في الموجة الأولى للفيروس من عمليات الإغلاق وفقدان الوظائف وحظر التجول في كل أنحاء العالم، والتأثير على حركة الاقتصاد في جميع البلدان، دفعت الجميع إلى الخوف من حدوث موجة ثانية، فقد أوضحت مديرة صندوق النقد الدولي أن الحكومات في أنحاء العالم أنفقت عشرة تريليونات دولار على الإجراءات المالية المتخذة في مواجهة الوباء وتداعياته الاقتصادية، لذلك يبقى اللغز النهائي كيفية السيطرة على الفيروس في حالة وجود موجة ثانية دون اللجوء إلى الإجراءات الصارمة التي اتخذت سابقا والاضطرابات اليومية التي عاشها الإنسان، والخسائر التي تكبدها الاقتصاد العالمي، أو بمعنى أدق كيف نتعامل مع الموجة الثانية دون أن نتكبد الخسائر التي حدثت في الموجة الأولى سواء كانت خسائر بشرية أو اقتصادية أو نفسية، أنا عن نفسي لا أدري ما هي الإجابة عن هذا اللغز، لكن يجب أن نفكر وندرس ونعمل وذلك بتضافر الجهود العلمية والسياسية معاً من أجل مواجهته، وبالتقدم العلمي والتكنولوجي واستثمار الأموال للقضاء على كورونا وعلى كافة الأوبئة التي تهدد الجنس البشري.
من خلال الفترة السابقة للفيروس اكتسبنا بعض المعرفة والخبرات في التعامل معه، ولابد هنا أن نشير إلى الأساسيات للتعامل وهي: الحفاظ على التباعد الاجتماعي، غسل اليدين، ارتداء أقنعة الوجه، تجنب الحشود، غسل الملابس بانتظام، البقاء في المنزل إذا ظهرت عليك أعراض المرض مدة 14 يوما.