لا تنفصل الثقافة بمفهومها الشامل، عن تراث أي حضارة ولا عن نتاجها، المادي واللا مادي، كما لا يمكن الفصل - أيضا - بين القوى المحركة لأنظمة أي مجتمع، سواء كانت دينية، سياسية، اقتصادية، اجتماعية.. أمام محوري قوتين رئيسيتين: داخلية، وخارجية، ما صنف القوى، إلى خشنة، وناعمة، تبعا لهذا التشابك من العلاقات، ولما يتفرع إليه نسيجها من مسارات شبكية متعددة الإنتاج، وآليات تجعلها ذات ملامح لها رؤيتها، ورسالتها، وقيمها، وأهدافها، التي تميزها عن غيرها، التي لا يختلف عليها المختصون، والباحثون في هذا المجال الثقافي الدقيق.
لذلك انبثقت الرؤية التي ترى بأن القوى الصلبة، ورثها قوى ناعمة، التي ورثتها فيما بعد القوى «الباردة»، كأحد مستجدات (السلوك) الثقافي، الذي يتمظهر في (الفعل) لا (ردود أفعال)، بما يتسم باشتراطات الفعل، ضمن منظومة عملية، في سياق مسالك وسلوك «التنمية الثقافية».
من هنا لم تعد فرضية (الغول والعنقاء والخل الوفي) حاضرة على خارطة العمل الثقافي، المزدحمة بأولويات، لا يمكن التنبؤ بمن يعيد ترتيبها ما بين ساعة معولمة، وأخرى!
من هنا، يمكن الإشارة إلى موقع دبلوماسية الثقافة، الذي أصبح يشغل مساحة «جوهرية»، و«ديناميكية»، في مركز عمليات التنمية الثقافية، فيما يعرف حديثا، بـ«البينيات الثقافية»، متخذا من الدبلوماسية مقوماتها (العلائقية)، ومن الثقافة روحها (المؤنسنة)، لتتخذ دبلوماسية الثقافة، مناظير رؤية شاملة، وقيما حضارية معاصرة، ورسالة الـ«دبلوثقافي»، المستمدة من كافة المقومات الحضارية لأي بلد، المادي منها، واللا مادي، ما يحقق متطلبات واشتراطات الفعل الثقافي (التنموي)، للاستثمار في المقومات الحضارية نفسها.
... ... ..
* دبلوماسية الثقافة: نموذج بناء.. وتأول خطاب!
** **
- محمد المرزوقي