حقيقة لا أدري من أين أبدأ في وصف حياتي مع أبي طارق، الدكتور تركي الحمد. شهادتي فيه مجروحة جدًا، خاصة بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من العيش تحت سقف واحد، وبعد أن رزقني الله منه ولداً هو «راكان» يكاد يكون نسخة من أبيه، شكلاً وعقلاً. حين تزوجت الدكتور، كنت لا أزال صبية صغيرة في ريعان صباها، وكنت في غاية القلق في كيفية التعامل مع رجل ناضج يكبرني سنًاً وخبرة. وكنت أحياناً أصاب بالرعب في كيفية التعامل مع شخصية مشهورة مشهود لها بعمق الفكر والحكمة. كنت أسمع عنه وأقرأ أحياناً له قبل الزواج. لكن أن يضمنا بيت واحد هذا أمر كان يشعرني بالقلق الشديد.
تزوجت أبا طارق، ومرت الأيام والشهور والسنون.. في كل لحظة تمر، كنت اكتشف فيه شيئاً جديداً لا يعلمه من يسمعون باسمه فقط، ولم يعاشروه قط. وجدت فيه زوجاً محباً يعرف كيف يتعامل مع المرأة، لا عاطفياً فقط، ولكن عقلياً أيضاً، فهي كائن كامل الإنسانية بكل أبعادها.
استطيع القول إن نشأتي الحقيقية بدأت حين عرفت أبا طارق. لا أبالغ - حين أقول ذلك - فبالإضافة إلى كونه زوجاً محباً، كان أباً حنوناً ألجأ إليه حين لا يكون هنالك ملجأ بعد الله إلا هو، وحين تعصف بي تقلبات الزمان وعواصف الحياة. أجد فيه صدراً رحباً يستوعبني بكل خوفي وقلقي ومشاعري وأحاسيسي، فأنسى كل شيء وقد احتواني ذلك الصدر الرحب، وتتحول الحياة إلى لون وردي ويصبح التفاؤل والأمل دافعين لحياة أجمل. ووجدت فيه الأخ الذي هو عضدي في المسلمات ومنغصات الحياة، التي لا تخلو منها حياة أي أحد، لكنني كنت محظوظة بوجود أبي طارق إلى جانبي، يأخذ بيدي، ويواسيني، ويوجهني حين أحتار وأحتاج إلى توجيه.
في بداية عملي في مجال الإعلام، كنت مترددة وخائفة وتنقصني الثقة، نتيجة نقص الخبرة وقلق البدايات، لكني أحمد الله كثيراً على وجود أبي طارق إلى جانبي، هو الذي لا تنقصه الخبرة وحكمة السنين، فكان يدفعني دفعاً إلى العمل وخوض التجارب وتنمية الثقة بالنفس، وكان يقول لي دائماً ما أردده على نفسي في كل وقت: «من يخشى البحر، لا يتعلم السباحة أبداً»، فكنت في كل تجربة جديدة أخوض غمارها، فإن لم أنجح، أكون قد كونت خبرة جديدة، ومع مرور الأيام، اكتشفت صدق تلك الحكمة التي تقول «إنّ الضربة التي لا تقتلني تقويني»، والفضل في ذلك كله بعد الله، لأبي طارق، زوجي وأبي وأخي ورفيقي في الحياة.
بطبيعة الحال لم يكن الدكتور إنساناً كاملاً فالكمال لله وحده، ومن منا لا يخلو من النواقص، فقد جبلنا على النقص ومن أبرز عيوب أبي طارق العصبية المفرطة، فهو أحياناً يثور بعنف كالبركان، فيكاد يتحطم كل ما حوله، لكنه لا يلبث أن يهدأ سريعاً، ويحاول استرضاء كل من حوله بعاطفته الدقيقة، وبكل ما يتاح له من وسيلة، حتى أننا نحن أفراد عائلته، وحين يقتلنا روتين الحياة ، ورتابة الأيام، نتمنى أن يثور بركانه لفتح ثغرات في الروتين والرتابه، ونحن مدركون بأنه ما بعد ثورة البركان إلا تلك السعادة الضافية.
الحديث يطول عن أبي طارق، رفيقي وأبي الروحي في هذه الحياة، ولكن المساحة المتاحة للحديث لا تساعد كثيراً في سرد كثير من الذكريات.
ولكني أختم وأقول: كم أنا محسودة على أبي طارق، وهو شخص وشخصية تستحق الحسد على من يقترن به، ويربط مصيره بمصيره .. أبو طارق، لا أقول في النهاية إلا شكراً، وكل الحب يا من هو الحب ذاته.
... ... ...
إيمان محمد الغيث - (زوجة الأديب تركي الحمد) السعودية
* * *
سيرة الروائي تركي الحمد
- ولد في الأردن 1952م، لعائلة من عقيلات بريدة.
- تلقى تعليمه العام في الدّمام. وأنهى دراسته الجامعية - جامعة الملك سعود- 1975م.
- ماجستير في العلوم السياسية «جامعة كلورادو».
- وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا.
- عمل أستاذًا للعلوم السياسية (جامعة الملك سعود) وتقاعد مبكرًا ليتفرغ للكتابة والتأليف.
* من إصداراته:
- له (14 إصداراً) بين رواية وفكر وسياسة.
- نشر في الصحف ونشر بحوث أكاديمية.
- أهم رواياته: (أطياف الأزقة المهجورة، العدامة، الشميسي، الكراديب).
- من كتبه في الفكر: (السياسة بين الحلال والحرام، من هنا يبدأ التغير، لا يزال التاريخ مفتوحاً).